لا يحتاج الأمر منك إلى مزيد من الذكاء أو التفكير في معرفة أعداء النجاح، هم ببساطة الناقدون دون شواهد وأدلة، هم من ينظرون إلى السلبيات بشكل دائم، هم الذين لا ينجزون ولا يريدون الآخرين أن ينجزوا، هم النشطاء في الشر الذين لا يريدون الاستقرار لأي عمل يكونون فيه؛ لأن الاستقرار معناه نجاح الآخرين وهم لا يريدون ذلك، هم الذين ترتعد فرائصهم من التغيير؛ لأنهم لا دور لهم فيه فيخشون أن يتجاوزهم القطار ويبقون في محطتهم لا يتحركون، لهذا يسعون بكل ما يستطيعون في إعاقة سير القطار ليبقى الجميع في المحطة بلا تطوير أو تغيير.
هم الذين يجب التعرف عليهم كأهم إنجاز لأي مسؤول لكشفهم واستصلاحهم إن كان ذلك ممكنا، لضمهم في منظومة الإنجاز يجدفون فيها بفاعلية أو تعريتهم وإبعادهم إن تعذر ذلك، النجاح يتطلب التغيير، والتغيير يتطلب المواجهة، هذه معادلة حقيقية ولا يمكن لأي تغيير أن يحدث على الإطلاق دون مواجهة، وبالتالي لا يمكن لأي نجاح أن يتم ويتحقق على أرض الواقع دون مواجهة، والمواجهة تأخذ أشكالا عدة، ومستويات مختلفة، فما يتعلق بمستوى المواجهة قد تكون سهلة وقد تكون شرسة وفي الغالب تكون شرسة، وأشكالها تتمثل في احتجاج العاملين أو بعضهم أن القرارات والإجراءات خاطئة ويسردون الحجج وبعضهم مفوه، ويستميل شريحة من العاملين لتأليبهم ضد المشروع القادم ومعارضته، وحشد أكبر قدر ممكن من الجهود لعدم إتمامه، والبعض ـ وهو الأخطر ـ لا يقف ضده بشكل علني، لكنه يحاول بذكاء قتله بدم بارد وهدوء تام، باختلاق أعذار ظاهرها صحيح وباطنها غير صحيح، حتى لا أقول فيه كل الخبث. والمسؤول الأول الحصيف هو الذي يتعرف على مستويات وأشكال المواجهة، ويتعامل مع كل نوع منها بما يستحقه، فيكشف الأسباب الواهية التي يتم الاحتجاج بها من قبل بعض العاملين، ويقدم شواهد على عدم صحتها بهدوء، ويواجه بشكل حازم من يتضح له أنهم فقط ضد التغيير وضد النجاح.
المسؤول يفعل ذلك أثناء أربع مراحل لا بد من المرور بها أثناء تبني أي مشروع تطويري. الأولى: مرحلة الرفض Denial وهنا يتم الاجتماع مع الذين يرفضون مشروع التطوير القادم، ويستمع إليهم ويطلب منهم الملاحظات أو البديل الأفضل لهذا المشروع، وسيعجزون عن تقديم البديل، وربما قدموا ملاحظات متواضعة لا ترقى إلى تبرير نسف المشروع. وهنا يتم كشف ضعف حجتهم وإحراجهم بعدم قدرتهم على التحدي الذي عرضه المسؤول بالإتيان بالبديل، وهنا يتحول الرفض إلى المقاومة Resistance وهي المرحلة الثانية: يبدأ هؤلاء بمقاومة المشروع بأساليب مختلفة، منها التراخي في الإسهام في إنجاحه أو التحريض عليه والحل الذي يشرع فيه المسؤول هو العمل مع القلة القليلة المتحمسة على المضي في المشروع، وإبراز النجاحات الأولية له، وعرضها بشكل دوري ـ أسبوعيا إن أمكن أو حسب المشروع ـ مع وجود المقاومين، هنا في هذه المرحلة ستنضم شريحة كبيرة من المقاومين إلى المؤيدين، ومع مضي الوقت يزداد عدد المؤيدين ويتم الانتقال إلى المرحلة الثالثة:القبول Acceptance، في هذه المرحلة يكون هناك قبول بالمشروع، وترتفع نسبة شواهد نجاحه، ويزداد عدد الذين ينضمون إليه ويدعمونه، ويحصل أن يقوم بعض العاملين بتقديم مقترحات وأفكار متميزة، بعضها أفضل من الأفكار التي يتضمنها المشروع أساسا، وهنا نصل إلى المرحلة الرابعة: التبني Commitment، ويصبح المشروع مُلكا للعاملين يتبنونه ويطورونه ويطبقونه. أثناء المراحل الأربع يضطر المسؤول إلى المواجهة، وعادة ما تكون المواجهة مع من نسميهم "النشطاء" Activists، وهم قلة قليلة جدا لكنهم مؤثرون ومدمرون ونشيطون وأذكياء، وهم الذين يقودون مقاومة التغيير وبعبارة أخرى هم أعداء النجاح، وهم ينطلقون من منطلقات مختلفة، ويأخذون أشكالا مختلفة، أما منطلقاتهم فقد تكون بسبب عدم إفساح المجال للمسؤول؛ كي ينجح بدافع الحسد أو الغيرة، أو من منطلق أنهم غير قادرين على أن يكونوا ضمن قادة التغيير والنجاح؛ لتدني قدراتهم، أو من منطلق الخوف على مراكزهم التي قد يكشف التغيير أنهم ليسوا ملائمين لها، وأن التغيير كشف كفاءات يجب أن تحل محلهم، ولهذا فالتغيير يرعبهم ويحرصون على أن تبقى الأمور كما هي.
أما الأشكال التي يأخذونها، فتختلف بين العلنية والسرية، العلنية أن يقدموا أسبابا واهية لعدم جدوى التغيير، والسرية قد تكون في استمالة أكبر قدر ممكن من العاملين في محاولة للتأليب، وقد يتم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت لكتابة مئات أو آلاف الرسائل ضد المشروع بأسماء مختلفة، يسهر أحدهم ليكتب مئات الرسائل، وآخر مثله حتى يبدو أن المناوئين كثر، وهم في الواقع لا يتعدون عدد أصابع اليد الواحدة، هذه إحدى سمات النشطاء المغرضين، قد يقول قائل، لماذا لا يتخذ المسؤول قرارا بإقرار المشروع ويفرضه بالقوة وننتهي من هذه القصة؟ إذا فعل المسؤول ذلك، فهذا تدمير للمؤسسة، المسؤول لا يستطيع النهوض بالمؤسسة، ولا يستطيع صنع النجاح وحده، ولا يستطيع التطوير والتبني وحده، ويقول "بل قيتس" في هذا الشأن في كتابه المميز: "إنجاز العمل بسرعة البرق"، يقول: "كل العاملين مسؤولون عن مايكروسوفت من عامل النظافة إلى المسؤول الأول، وكلهم معنيون بتقديم الأخبار السيئة عن كل قطاعات مايكروسوفت بصرف النظر عن مواقعهم، وأنا أقرأ كل ـ لاحظوا "كل" ـ الإيميلات التي تصلني من العاملين، لا أرد عليها جميعها، لكنني أتخذ فيها إجراء".
ولهذا لا بد للمسؤول من اتخاذ كل الخطوات السابقة، والسماح بالمرور على كل المراحل الأربع، وخلاصة القول: إن المسؤول لا يقتصر دوره على القيادة، بل لا بد أن يعرف من علو كيف تسير الأمور حتى يصل بمشروع الإنجاز إلى بر الأمان، ويحقق أهدافه على أرض الواقع، ويلمس الشواهد والأدلة على نجاح المشروع؛ حتى يضيع الفرصة على أعداء النجاح ويكشفهم ويعيدهم إلى التجديف في سفينة الإنجاز؛ لتصل بالسرعة الممكنة إلى بر الأمان، لا يكتفي المسؤول بالإعلان عن المشروع وإبرازه إعلاميا، فأي إنجاز أو تطوير لا بد أن يمر بهذه المراحل، وعدم درايتنا بهذه المراحل تبقي نسبة تحقق أهداف أي مشروع متدنية إن لم تكن منعدمة، وهذا ما يحدث لمعظم مشاريعنا التطويرية، إذ نكتفى بالإعلان عنها وإضافتها كرقم لتزيد من نسبة الإنجاز، دون التحقق بشواهد وأدلة وأمثلة على أنها فعلا حققت أهدافها على أرض الواقع.