كل الأنظمة واللوائح الصادرة من فيفا - وهي كثيرة - تسعى في مجملها لتحقيق هدفين رئيسيين هما الشفافية والنزاهة، وهما ما يجعل كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في العالم تسير من نجاح إلى نجاح، بل إن الشفافية والنزاهة تدخلتا حتى في العمل الفني للعبة عندما تم توحيد إقامة المباريات الأخيرة في المجموعات في المونديال والتصفيات المجمعة والقارية في توقيت موحد، وإلغاء إعادة الكرة لحارس المرمى من قبل "ايفاب" لمنع إضاعة الوقت مما قد يعطي جانبا غير نزيه لكرة القدم.

أما في المجال التنظيمي والإداري فحدث ولا حرج، حتى أدق التفاصيل الصغيرة بدءا من توظيف أقارب الدرجة الرابعة في المنظومة الكروية، وما يشوب ذلك من احتمال عدم نزاهة أو عدم شفافية، إلى إعداد لوائح خاصة بالشفافية والنزاهة تعالج أدق تفاصيل هذه المجنونة لجعلها مرآة ونموذجا للعدالة والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه.

وبالرغم من كل ذلك لا يزال هناك كثير من التجاوزات والأخطاء وعدم النزاهة وعدم الشفافية واختلاط الحابل بالنابل وعدم وضوح الصلاحيات وحدود العلاقات مما يتسبب في خلل حقيقي في أداء المنظومة متى أصبحت مرتعا لولد العم وابن الخال، وتم توريث الأبناء والأحفاد وأبناء الأقارب والأصدقاء.. العمل في هذه المنظمات حتى وإن كان ممن لديهم التأهيل والإمكانات إلا أن صلة القرابة تجعلهم في وضع حرج يتعارض مع النزاهة والشفافية دون أصحاب الرؤية والخبرة والتجربة والتأهيل وأصحاب الإمكانات والقدرات والشهادات التخصصية الحقيقية، وليس شهادات الميول والألوان والأقارب والأصدقاء.

للأسف معظم الاتحادات العربية لا تزال بعيدة عن تحقيق مثل هذا الأمر، وكثير منها لا يزال لا يملك أي لائحة خاصة أو لجنة مستقلة تتعلق بالمبادئ التي يطرحها الفيفا، وعادة تسمى "لجنة الأخلاقيات" وصنفها بلجنة قضائية وهي المهتمة أساسا بالنزاهة والشفافية في كرة القم وخصوصا بين الإداريين والمسؤولين والحكام والمدربين ومن في حكمهم، بل إنها إن وجدت فهي شكلية لا تمارس دورها الحقيقي، وقد تجد من يعمل بها هم ممن يجب تطبيق النزاهة والشفافية عليهم أولا قبل غيرهم، ومتى ما تأخرت هذه الاتحادات في تشكيل مثل هذه اللجان المهمة والمفصلية، ولم تضع لها لائحة مستقلة وسليمة خاصة بعملها فإن المنظومة ستعيش تدهورا إداريا يتبعه تدهور فني يجعل مثل هذه الاتحادات في مؤخرة الركب.

إن توظيف الأقارب والأصدقاء والأرحام حتى وإن كانوا من المؤهلين خطر يهدد مستقبل كرة القدم أينما كانت، والفيفا تنبه لهذا الأمر، وشكل له لجانا وأعد له لوائح، ولن ينتظر كثيرا قبل أن يتدخل في الاتحادات الوطنية التي ينتشر فيها مثل هذا العمل غير النزيه وغير الشفاف وما يتبع ذلك من إجراء تحقيقات لكي لا يسمح لمملكة كرة القدم أن تتهاوى بعد أن تجاوز عمرها مئة عام لأسباب واهية تتغلب فيها المصلحة الشخصية الضيقة على المصلحة العامة.

أتمنى من اتحادنا الموقر أن يضع من أول اهتماماته وأساسياته بناء اتحاد تكون الشفافية والنزاهة فيه علما بارزا ومضربا للمثل خصوصا وأن الاتحاد الآن لديه جمعية عمومية ولديه الاستقلالية المطلوبة التي أكدها الأمير نواف بن فيصل، المسؤول الأول عن الرياضة والشباب في أكثر من مناسبة.