وافق يوم الجمعة الماضي (14 فبراير) الذكرى السنوية للقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأميركي روزفلت منذ نحو سبعين عاماً. ومنذئذٍ، نمت العلاقة بين البلدين وترعرعت، متجاوزة الكثير من العقبات. ولكن هل تستطيع تلك العلاقة الحميمة تجاوز الفشل في السياسة الأميركية نحو سورية والاتفاق النووي مع إيران؟ وهل تنجح زيارة أوباما الشهر القادم في تحقيق ذلك؟

عُقد الاجتماع التاريخي بين عبدالعزيز وروزفلت في 14 فبراير 1945 على متن السفينة الحربية (كوينسي)، قرب السويس بمصر. كان روزفلت قد عاد للتوّ من اجتماع للمنتصرين عُقد في منتجع (يالطا) على البحر الأسود مع ستالين وتشيرشل، قبل أشهر قليلة من إعلان النصر النهائي للحلفاء.

وفي ذلك الوقت، كان الملك عبدالعزيز قد أصبح أهم القادة العرب، بعد توحيد المملكة العربية السعودية واكتشاف النفط فيها. ومع أن عبدالعزيز قد استعاد حُكم أسلافه بفتح الرياض عام 1902، إلا أن توحيد المملكة استغرق عقوداً عدة إلى أن تم إعلانها في 1932. وبعد أقل من عام، في مايو 1933، منحت المملكة الفتية امتيازاً للتنقيب عن البترول لشركة (سوكال) الأميركية، مؤسسة بذلك لأهم مصلحة نفطية واقتصادية لأميركا في المنطقة.

كانت اتفاقية (سان ريمو) النفطية لعام 1920 قد استبعدت الشركات الأميركية من امتيازات النفط في المنطقة. ولكن الشركات البريطانية المسيطرة حينها تخلت عن التنقيب في السعودية كحالة ميؤوس منها نفطياً، متيحة للأميركيين فرصة ذهبية لم يترددوا في أخذها.

وكانت السعودية وقتها دولة فتية فقيرة، في حاجة إلى موارد ضخمة لتنمية البلد الموحد المترامي الأطراف، ولهذا رحّبت برغبة الشركات الأميركية بالتنقيب عن النفط فيها. وجدت (سوكال) البترول بعد خمس سنوات، عام 1938، وانضمت شركات أخرى إليها، مؤسسةَ في يناير 1944 شركة الزيت العربية الأميركية (أرامكو). وتأسست بذلك شراكة بين المملكة وأرامكو حولت الصحراء إلى دولة حديثة، بدأت من الصفر تقريباً لتصبح اليوم قوة اقتصادية عملاقة، هي التاسعة عشرة عالمياً، تجاوز ناتجها الإجمالي (745) مليار دولار، أكبر اقتصاد خليجي وعربي.

عقد اللقاء بين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت في فبراير 1945، بعد سنة من تأسيس أرامكو، مؤذناً ببدء شراكة استراتيجية استمرت حتى الآن.

تدريجياً، اشترت السعودية حصص الأميركيين في أرامكو، وغيرت اسمها إلى (أرامكو السعودية)، التي أصبحت اليوم أكبر شركة في العالم من حيث قيمتها التي تجاوزت عشرة تريليونات دولار، وتدير كذلك أكبر احتياطي للنفط في العالم (260 مليار برميل)، بالإضافة إلى (285) تريليون قدم مكعب من الغاز.

ومع أن البترول عنصر هام في العلاقة السعودية الأميركية، إلا أنها لم تقتصر عليه، ولهذا لم تتأثر بتأميم أرامكو. فلهذه الشراكة أبعاد كثيرة تشمل السياسة البترولية وغيرها. فليس سراً أن السعودية هي القوة الرئيسة وراء استقرار أسعار النفط، ففي حين تحرص السعودية على رعاية مصالح الدول المنتجة، تسعى في الوقت نفسه لحماية المستهلكين عن طريق زيادة الإنتاج في الأزمات مما ساعد على استقرار الأسواق والحد من ارتفاعات الأسعار غير المدروسة، فهي المنتج الوحيد تقريباً الذي يحتفظ بطاقة إضافية تفوق إنتاجه، يمكن استخدامها لتهدئة الأسواق وقت الأزمات والكوارث.

وتظل السعودية قوة فاعلة يمكنها الإسهام في تحقيق الاعتدال بجميع صوره. فهي مهبط الوحي، يتطلع المسلمون إليها ويسترشدون بتوجيهاتها، وقد استخدمت هذه الثقة لتشجيع قوى الاعتدال. وفوق ذلك، قامت بتوزيع جزء كبير من ثروتها خلال العقود الماضية على شكل مساعدات لعشرات من الدول للإسهام في تنميتها واستقرارها.

وخلال العقود التي تلت الاجتماع بين عبدالعزيز وروزفلت، احتفظ البلدان بعلاقات متينة، عملا من خلالها على تحقيق مصالحهما المشتركة. وبالطبع كانت بينهما خلافات عميقة حول بعض القضايا، ولكن علاقتهما صمدت أمام تلك التحديات. فخلال حربي 1967 و1973، أظهرت أميركا دعماً غير محدود لإسرائيل، واجهته السعودية بقطع البترول عنها. وقادت تلك الأزمات إلى "إعادة تقييم" العلاقات بينهما، لينتهي التقييم كل مرة إلى تأييد استمرارها وتقويتها.

وفي عام 2001 مرت العلاقات السعودية الأميركية بأزمة أخرى، حين جندت القاعدة (15) سعودياً للمشاركة في هجمات على نيويورك وواشنطن، مستهدفة بالدرجة الأولى تدمير العلاقة السعودية الأميركية التي اعتبرتها القاعدة عقبة أمام تحقيق خططها الإرهابية في المنطقة. نجحت الهجمات في إضعاف العلاقات بين الجانبين لفترة من الوقت، ولكنهما تمكنا في نهاية المطاف من توحيد جهودهما لإضعاف القاعدة.

القضية السورية تشكل اليوم اختباراً آخر؛ فتردد الإرادة الأميركية وتخاذلها أمام التصميم الروسي دفعا بقبول الطرح الروسي حول سورية، مما قاد إلى فشل مدوٍّ في جنيف وزيادة تعنّت النظام السوري واستمراره في حرب الإبادة والتنكيل بالشعب السوري.

وفي تحدّ آخر، أبرمت أميركا مع إيران اتفاقاً مبدئياً حول الملف النووي، وعززت علاقاتها مع النظام العراقي المؤيد لإيران.

وليس من الواضح، في أي من هذه الحالات، أنها استطاعت الحصول على التزام واضح من روسيا أو إيران بالمساعدة على تحقيق السلام في سورية أو تحسين الأوضاع في المنطقة.

في ظل فشل مؤتمر جنيف، كما كان متوقعاً، وزيادة حدة انتقام النظام السوري من معارضيه جاءت أخبار هذا الأسبوع من واشنطن توحي بأن أميركا تعيد النظر في سياستها تجاه سورية، وهي أخبار تعطي الأمل للشعب السوري ومناصريه بأن واشنطن قد تنضم بقوة إلى جانب الحق والعدل.

كما حدث مراراً في السابق، قد يستنتج الجانبان السعودي والأميركي أن شراكتهما الاستراتيجية أكثر أهمية من أن يسمحا للخلافات العابرة بأن تُضعفها أو تُخرجها عن مسارها الطبيعي.

وربما كان لهذا السبب يعتزم الرئيس أوباما زيارة السعودية أواخر الشهر القادم. وفي الأغلب، سيسعى أوباما إلى إعادة العلاقة الخاصة بين الرياض وواشنطن إلى سابق عهدها. وإن استطاع في الأسابيع القادمة تحقيق تقدم ملموس في القضية السورية، وتقديم تطمينات بشأن إيران والعراق فضلاً عن القضية الفلسطينية، فإن مهمته ستكون أسهل بكثير.