في جميع المجتمعات التقليدية المحترمة، إحدى أعظم الخطايا يمكن أن يرتكبها المرء هي أن يدخل بيت رجل آخر، ويبدأ بشتم أجداده. مثل هذه الخطيئة ارتكبها منذ فترة وجيزة مايكل أورين، الذي كان حتى نوفمبر 2013 السفير الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة. ليحصل على ذلك المنصب، كان على أورين أن يتخلى عن جنسيته الأميركية.

في 10 فبراير 2014، في خطابه الأول في منصبه الجديد في "المجلس الأطلسي"، أعطى أورين ردا سفسطائيا على سؤال حول الجنرال ورجل الدولة الأميركي الكبير جورج مارشال، الذي كان قد اعترض على قرار الرئيس هاري ترومان الاعتراف بإسرائيل كدولة في عام 1948. مع إشارة متعجرفة من يده، رفض أورين التحذيرات التي قدمها مارشال للرئيس ترومان، مؤكدا أن الجنرال مارشال الذي ساعد على قيادة الانتصار على النازيين في أوروبا لم يكن يعرف عن ماذا يتحدث.

لم يكن شيء أقل من ذلك متوقعا من أورين البارع في الدعاية المضادة لصالح إسرائيل، والرد على أي اتهام يمكن أن تتعرض له. المؤسسة العسكرية لا تطرح أي أسئلة حول الدولة الصديقة الصغيرة التي تتجسس على واشنطن وتسرق أسرارها وتبتلع مليارات الدولارات منها كل عام. أورين يتقن الانتقائية من الحوادث التاريخية، ويقول البعض إنه يتم إعداده ليكون خليفة بنيامين نتنياهو في المستقبل. نتنياهو حصل على التأييد في مؤهلاته السياسية الوطنية الإسرائيلية في مركز أبحاث أميركي ـ معهد جوناثان ـ الذي يحمل اسم شقيق بنيامين نتنياهو الذي قتل في الهجوم الإسرائيلي على مطار عنتيبي في ثمانينات القرن العشرين؛ لتخليص ركاب طائرة مخطوفة. هل هذا هو المسار الذي تم إعداده لأورين؟

أورين تلقى تعليمه في جامعة كولومبيا، وانتقل إلى إسرائيل في 1979، والتحق مباشرة بالجيش الإسرائيلي، إذ تم ضمه إلى وحدة مظليين، وقاتل في الحرب على لبنان عام 1982. عاد إلى الولايات المتحدة بعد خدمته في الجيش الإسرائيلي لدراسة الدكتوراه في جامعة برينستون في اختصاص دراسات الشرق الأوسط. يقول أورين نفسه، إنه عمل جاسوسا لإسرائيل داخل الاتحاد السوفيتي، وتطوع لإدارة نشاطات جماعة صهيونية سرية. يدعي أورين في سيرة ذاتية نشرتها صحيفة هآرتز الإسرائيلية، أن الاستخبارات السوفيتية "كي جي بي" اعتقلته عدة مرات.

على مدى العشرين سنة اللاحقة، تنقل أورين بين إسرائيل والولايات المتحدة، وكان يحاضر في جامعات مرموقة، ويؤلف كتاب "تاريخ حرب الأيام الستة لعام 1967"، ويقدم خدمات بشكل عام في مجال الدعاية المضادة. في مايو 2009، بعد انتخابه بفترة وجيزة، عين نتنياهو السيد أورين سفيرا لإسرائيل إلى الولايات المتحدة، وفي ذلك الوقت تخلى أورين عن جنسيته الأميركية.

بعد تعيينه سفيرا، عمل أورين على تعزيز فكرة "العلاقة الخاصة" بين إسرائيل والولايات المتحدة، عندما نشرت وكالة لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة، تقريرا يتهم إسرائيل بارتكاب عدة جرائم حرب خلال عملية "الرصاص المصبوب" ضد غزة في أواخر 2008، شجب أورين التقرير والذين كتبوه، بما في ذلك القاضي الذي يحظى باحترام واسع اللورد جولدستون، ووصفهم بأنهم متعصبون ضد إسرائيل. وعندما قتلت القوات الخاصة الإسرائيلية محتجين على متن السفينة التركية التي كانت تحمل إعانات غذائية إلى غزة، دان المنظمين الأتراك، وقال إنهم إرهابيون متعصبون.

في الصيف الماضي، عندما استبدل نتنياهو أورين بشخص آخر كان يحمل الجنسية الأميركية سابقا، بقي أورين في واشنطن ووافق على قبول منصب "سفير مقيم" في المجلس الأطلسي، وهو مركز الأبحاث شبه الرسمي لحلف الناتو.

لكن واشنطن لم تعد حكرا على إسرائيل وقوة الصهيونية اليمينية كما كانت في يوم من الأيام. هذا التغيير ناتج عن عناد إسرائيل نفسها، احتلال الأراضي الفلسطينية، توسيع المستوطنات، والجرائم ضد الفلسطينيين بما في ذلك الأطفال.

من الواضح أن نتنياهو وأورين غافلان عن هذا التحول في المناخ بين الأميركيين، حتى بين بعض فئات النخبة، في هذا الإطار ارتكب أورين خطيئته.

في فترة الأسئلة بعد خطبة لاذعة ضد آفاق السلام الإقليمي، والانهيار المنتظر للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، سأل أحد الحضور أورين عن سنوات تكوين إسرائيل دولة، عندما اعترض وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت جورج مارشال علنا على تقسيم فلسطين، وحذر من أن ذلك سيقود إلى صراع إقليمي سيدوم 50 عاما، مما يجعل الدور الأميركي محدودا بدور عسكري في المنطقة الهشة، ويؤدي إلى صراع شبه دائم بين إسرائيل والعرب.

رد أورين مباشرة واتهم الجنرال ورجل الدولة الأميركي العظيم بشكل مبطن أنه معاد للسامية. وأضاف أورين أن مارشال اعترض على إقامة دولة إسرائيل؛ لأنه أصر أن ذلك سيتطلب نشر 300.000 جندي أميركي لحماية إسرائيل، وأن ذلك سيجعل الاتحاد السوفيتي يغزو ويحتل أوروبا الغربية، وأن إسرائيل ستصبح في النهاية دولة بلشفية، وقال أوين غاضبا، إن مارشال كان مخطئا في جميع الاحتمالات.

لكن أورين كان انتقائيا. تقول وثائق رئاسة الأركان الأميركية المشتركة التي تغطي تلك الفترة الزمنية، إن رئاسة الأركان الأميركية أجرت أكثر من عشر دراسات حول موضوع فلسطين، وانتهت بتقديم مذكرة في 10 أكتوبر 1947 إلى وزير الدفاع الأميركي تحذر أن: أي قرار بتقسيم فلسطين، إذا دعمته الولايات المتحدة، سيعرض المصالح الاستراتيجية الأميركية للخطر في الشرق الأوسط والشرق الأدنى". وحذرت مذكرة وزارة الدفاع الأميركية من أن هناك "خطرا كبيرا لأن مثل هذا القرار سينتج عنه اضطرابات في سائر منطقة الشرق الأوسط والشرق الأدنى.. نتيجة لذلك، قد يحل الاتحاد السوفيتي محل الولايات المتحدة وبريطانيا في بسط نفوذه على سائر تلك المنطقة". وأوصى التقرير في النهاية بالحفاظ على النوايا الطيبة للدول العربية والإسلامية، التي تعارض بقوة أي حل يؤدي إلى تقسيم فلسطين. وكانت نبوءة مارشال وورقة رئاسة الأركان صحيحة إلى حد كبير.