مفهوم الجودة ليس من المفاهيم الجديدة كما يعتقد البعض، فقد ورد هذا المفهوم في عهد الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما قال "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، والجودة والإتقان مطلبان في جميع الجوانب الحياتية، وفي هذه الأيام نرى أن هناك من يعمل على نشر ثقافة الجودة في بعض المجالات مثل المجال التعليمي، والصحي، وغيرهما من المجالات، وحقيقة الأمر أننا في حالة اتباعنا للهدي النبوي في هذا المجال لا نحتاج إلى نشر ثقافة الجودة، وتطبيق معاييرها؛ لأنه يتوقع منا، أو يجب علينا كمسلمين أن نحقق معايير الجدود في جميع أعمالنا التي نقوم بها، وبدأت وزارة الصحة في تطبيق معايير الجودة في عدد من القطاعات التابعة لها، أو التي تشرف عليها، ومع ذلك فمستوى الجودة في كثير من هذه المجالات ما زال بحاجة إلى توطين مفهوم الجودة ونشره بين العاملين في المجالات الصحية بمختلف مستوياتهم الوظيفية؛ فبين الحين والآخر نسمع أو نقرأ أخبارا عن قفل أو وقف نشاط بعض المؤسسات الصحية الخاصة؛ لأنها لم تلتزم بمواصفات ومعايير الوزارة فيما يتعلق بالخدمات الصحية التي تقدمها، وواقع كثير من المستشفيات الحكومية لا يختلف بدرجة كبيرة عن بعض المؤسسات الصحية، أو المستوصفات الأهلية التي يتم إغلاقها، أو تعليق نشاطها، وتستمر هذه المستشفيات، أو هذه المراكز الصحية في تقديم الخدمات للمرضى، ولا تتم متابعة مستوى جودة ما يتم تقديمه من خدمات بشكل كبير.

وفي المجال الصحي على وجه الخصوص ينظر كل فرد إلى الجودة بمنظاره الخاص؛ فالطبيب قد ينظر إلى أن الجودة لا تتحقق إلا من خلال توافر بعض التجهيزات الطبية الحديثة، والمدير الطبي قد ينظر إلى الجودة تتحقق عند تقديم مستوى عال من الخدمات التي تقدم للمرضى المنومين بالمستشفى بالدرجة الأولى، والممرض أو الممرضة قد يعتقدان بأن الجودة لا تتحقق إلا من خلال التدريب المكثف على مستجدات التخصص، والفني يرى أن الجودة لا تتحقق إلا من خلال توفير أجهزة صحية حديثة، وأدوات طبية من الشركات العالمية المرموقة، والمدير الإداري قد ينظر لها من زاوية مختلفة تتمثل في حضور الموظفين في الوقت المحدد، وانضباطهم في العمل، والمريض ينظر إلى الجودة في المجال الصحي بأنها مستوى الخدمة الصحية التي تقدم له بغض النظر عن الجوانب الأخرى، وهنا أرى أن مفهوم الجودة في المجال الصحي مفهوم شامل ويتكون من جميع الجوانب التي يراها مختلف العاملين في المجال الصحي، ومن الضروري أن يكون هناك مفهوم للجودة موحد يدركه جميع العاملين في هذا المجال الحيوي، ويعملون كفريق واحد لتحقيق معاييره في الخدمات التي تقدم للمستفيدين.

فكثير من المستشفيات الحكومية تضع رؤيتها ورسالتها وأهدافها في مكان بارز في مداخلها وممراتها، لكنها لا تعمل بشكل تكاملي على تحقيق ذلك، فبعض المستشفيات لا يوجد فيها أخصائيون، أو استشاريون في بعض التخصصات، وهذا يؤثر على جودة الخدمات التي تقدم للمرضى، بل يحول دون تحقيق معايير الجودة حسب المواصفات المتفق عليها على المستوى العالمي، أو الإقليمي، أو المحلي، كما أن التحاق بعض الكوادر الطبية غير المؤهلة بمستشفياتنا يعيق تحقيق متطلبات الجودة وتزيد نسبة الأخطاء الطبية التي نسمع عنها في كثير من الأوقات، وقد يكون من المناسب ألا يُمَكن أي طبيب وافد أو مواطن إلا بعد أن يتم التأكد من تمكنه من خلال الاختبارات التي تعدها هيئة التخصصات الصحية، وتكون بشكل مكثف.

كما قد يكون كثير من تجهيزات المختبرات قديمة جدا، أو لا تعمل في بعض المستشفيات، وبذلك تكون غير مؤهلة لإعطاء التقارير الصحية الدقيقة للتحاليل الطبية المطلوبة، وفي حالة عدم توفر هذه التجهيزات لن تكون هناك جودة في بعض الجوانب الصحية، كما أن غياب معايرة وضبط أجهزة القياس والفحص التي يتم استخدامها في المستشفيات والعيادات والمراكز الصحية بصفة دورية يؤثر على صحة القراءات والقياسات، وقد يعطي قراءات مغلوطة، ومضللة تجعل الطبيب يتخذ قرارات غير مناسبة بناء على نتائج القياسات غير الصحيحة، وعند الحديث عن الجودة في مجال الأدوية التي يتم توفيرها في صيدليات المستشفيات فقد تعاني هذه الأدوية من سوء التخزين أو الحفظ، ولا يتم الاهتمام بتواريخ الصلاحية، وهذه مشكلة تحول دون تحقيق معايير الجودة في هذا الجانب، وعند الحديث عن تجهيزات غرف العمليات، ودرجات التعقيم فيها قد يطول الحديث، ولذلك لا بد من الاهتمام بذلك بدرجة كبيرة لكي يتم إجراء العمليات في ظروف طبية مناسبة، وجودة النظافة في كافة مرافق كثير من المستشفيات قد تنقصها المتابعة مع أن هناك شركات متعهدة في هذا المجال، ولكن مستوى النظافة دون المأمول، وعليه العديد من الملحوظات مع أن الميزانيات التي تصرف على المجال الصحي كبيرة جدا، إلا أن مستويات الجودة في الخدمات الصحية التي تقدم للمرضى، أو المراجعين منذ بداية مراجعتهم للمستشفى وحتى مغادرتهم له منخفضة إن لم تكن غائبة نظرا لغياب كثير من مقوماتها.

وهنا آمل من المسؤولين في وزارة الصحة ألا يركزوا على الجودة في مستشفياتنا ومراكز الرعاية الأولية -بالأسلوب الحالي؛ لأنها لا تتعدى أن تكون جودة ورقية فقط- وأن يتم الاهتمام والتركيز على البنى التحتية لهذه المستشفيات، وتأهيل من يعمل بها؛ لأنه لن تتحقق معايير الجودة في المجالات الصحية في حالة غياب التجهيزات الحديثة، وتوافر الأطقم الطبية بمختلف مستوياتها الصحية.