"خارج الجماعة" الكتاب الأخير للباحث البحريني الدكتور نادر كاظم، والذي يبحث عن التعددية الثقافية في المجتمعات وموقف الدولة منها إنْ بالتبني أو الاعتراف أو الحياد، وموقع الفرد المنتمي إلى طيف هذا التعدّد بالاندماج والاحتواء أو بالخروج وإعلان الوجود الفردي قبالة الجماعة؛ اعتزالا ونفيا.
وما يشغل الباحث في هذا الكتاب ألا تطغى الجماعة على أفرادها ويذوبون فيها ليكون ضمن رؤية أحادية تلاشي فرديتهم، حيث الهوية هي صورة الجماعة وما تحدده هذه الصورة وما تريده.
هنا الفرد يتنازل طوعا عن كيانه المفرد وما يعتمل فيه من غنى وكثافة تخصّ وجوده، ويدخل في إطار عام هو تعريفه الوحيد ويلغي ارتباطاته الأخرى. تحت خيمة المذهب أو القبيلة أو أية جماعة كانت، يُراد أن يُنظَر إليه ويكتسب الهويّة الضامنة للأمن والاستقرار والطمأنينة والتي تأتي من التشابه الجامع والقاسم المشترك الوحيد. ومقابل ما يحصل عليه من أمن ودفء في العلاقات يخضع لمديونية مذلّة وواجبة الاستحقاق، وهي الانضباط وفق خط الجماعة وعدم الخروج على ما تسميه الثوابت أو قلب الهويّة وروحها. فيظل الفرد رهينة هذا الاستحقاق ولا يستطيع الفكاك منه.
الأغلبية تتقبل هذا الوضع وهناك قلّة تأبى وتحاول أن تشقّ لها طريقا آخر، وترفض أن تبقى في قفص الجماعة. هذه القلة لا ترفض الجماعة التي تنتمي إليها، ولكنها على غير توافق مع إطار وحيد تتعامل به مع العالم ومع الآخرين. ثمة روابط مع من يقع خارج الجماعة، وهناك قواسم أيضا مع أفراد وجماعات تجعل هذا الفرد غير منسجم مع قالب الجماعة ويبحث له عن مكان آخر يحفظ له فرديّته ولا يدمجه في مجموع بتعريفٍ بدئي.
يحرص الدكتور نادر كاظم على تأكيد أن للفرد مساحة خاصة في الكيان الاجتماعي والثقافي، وينبغي أن تبقى هذه المساحة حرّة لا تتغوّل عليها الجماعة؛ لا بالاختزال ولا بالتقليص. لهذا الفرد حريّة الاختيار في الانتماء إلى الجماعة من عدمها "فالعبرة هنا ليس في أن يكون المرء فردانيا أو جماعيا. ليس في أن يكون داخل الجماعة أو خارج الجماعة، بل في أن تكون للمرء حرية الاختيار لأن يعيش إنسانيته".
ويسجّل الباحث مفارقة أن الاختيار وحده لا يكفي. هناك من لا ينظر إلى الاختيار المتجاوز لأسوار الجماعة ويظل يختصر الفرد في انتمائه الأولي. وتلك مشكلة أخرى؛ أن تقنع أو يقتنع الآخرون بمواقفك دون إلحاقها بمنابت مناطقية أو قبلية أو مذهبية.