جاء اتصال القيادة الحكيمة، متمثلة في خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، بأسرة أبو ملحة إثر وفاة الأستاذ عبدالعزيز بن محمد أبو ملحة، ليؤكد أصالة معدن قادتنا في تقدير الأدوار والخدمات الوطنية التي قدمها رجال وشخصيات لدولتهم وقيادتهم.
جاء عبدالعزيز أبو ملحة من أسرة كانت ولا زالت وستظل ـ بإذن الله ـ منذ تأسيس الدولة السعودية وتوحيدها، رهن إشارة المؤسس وأبنائه من بعده، إذ وهبوا أنفسهم وكل ما يملكون منذ البداية في سبيل توطيد دعائم الدولة وبنائها، وعلى مر السنين تشرب الأبناء والأحفاد حب الوطن والإخلاص للقيادة الحكيمة والوطن الغالي، حتى أصبح ذلك لهم تراثاً مجيداً ومبدأ ثابتاً لا يحيدون عنه، ومن رحم تلك الملحمة جاء فقيدنا فكانت معالم الطريق أمامه واضحة وجلية، وما كان عليه سوى اختيار محطات عطائه، فكانت محطته الأولى في سلك التعليم بعد اجتيازه الشهادة الابتدائية التي كان يعتدُ بها في ذلك الزمان، فأمضى فيها فترةً بذل من خلالها جهداً كبيراً في وضع اللبنات الأولى للتعليم في منطقة عسير، ليشعر بعدها أن العطاء للوطن يستحق منه أن يواصل مشوار التعليم فكان طموحه وروحه الوثابة سلاحه في إكمال مسيرة التعليم فانتقل إلى الطائف والرياض ليكمل الشهادة المتوسطة والثانوية والجامعية مع استمراره في العمل الحكومي، متنقلاً بين وزارات المعارف والتخطيط ليستقر في وزارة الشؤون البلدية والقروية، التي انتقل منها ليروي نهمه العلمي ببعثة خارجية للولايات المتحدة، والعودة بشهادة الماجستير في الإدارة العامة، ليعود ويتولى إدارة التخطيط والبرامج بالوزارة ويقنع المسؤولين بقدرته وكفاءته ليكلف بإدارة مديرية الشؤون البلدية والقروية بمنطقة عسير منذ أواخر التسعينات الهجرية لتكون تلك المحطة من أكثر مراحل حياته ثراء وأكثرها عطاء، فشارك بفاعلية في مسيرة التنمية في منطقة عسير على مدى 12 عاماً، مقدما كل ما يملكه من رؤية ثاقبة ومقدرة إدارية فائقة شهد له بها الجميع، مثلما شهدت له بها سهول تهامة وجبال عسير قاطبة، ولم تكن جهوده محصورة داخل إطار عمله الرسمي، بل كان مشاركاً بفاعلية في معظم اللجان الحكومية وكثير من الأنشطة الاجتماعية كلجنة أهالي منطقة عسير، وغيرها الكثير. ولأن من مثله لا بد أن يستفاد من طاقته، فقد تم اختياره ليتولى وكالة وزارة الشؤون البلدية والقروية، ليستمر على نفس الوتيرة من العطاء والإبداع، وعندما جاء مجلس الشورى كتجربة وليدة حظي بالثقة الملكية الغالية ليكون ضمن كوكبة أولى من رجالات الوطن التي أرست العمل في المجلس، حيث شارك بفاعلية في دورتيه الأولى والثانية، فكان شعلة نشاط ومصدراً لكثير من الأفكار النيرة، مشاركاً في العديد من اللجان بالمجلس، وعندما تقاعد من كل الأعمال الرسمية لم يستكن ويلجأ لزاوية ينعم من خلالها بالراحة والهدوء كما يفعل الكثيرون، وإنما كان مشاركاً في العديد من الأنشطة الاجتماعية والرسمية والقبلية.
كانت شخصية الفقيد ذات "كاريزما" فريدة، فقد منحه الله القبول وحب الناس، يجد السعادة في مساعدة الآخرين، اشتهر بالإصلاح بين القبائل والأسر فكم من مراتٍ عديدة نزع فتيل كثير من الإشكالات والنزاعات.
كان كريم اليد، لطيف المعشر، وفي كلامه حكمة، وفي صمته مغزى، وفي بسمته معنى، كان رجالاً في رجل.. عزيز النفس يحبه الكريم ويهابه اللئيم.
كان الفقيد ينتمي لكل الوطن فقد تمرد على جغرافية المكان، فلم يكن عشقه وانتماؤه وعطاؤه محصوراً في مكان أو فئة، بل كان ينتمي لكل قبيلة وعشيرة ومنطقة عبر مساحات كل الوطن.