الجنادرية لوحة تراثية للجزيرة العربية وأبنائها، بدأت قبل 29 عاماً بفكر ثقافي تراثي يسجل تاريخ حضارة الجزيرة العربية بصفة عامة والمملكة العربية السعودية بصفة خاصة. تبناها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، منذ أن كان نائباً ثانياً حتى أصبحت منبراً ثقافياً وتاريخياً لحضارة أرض آخر الرسالات السماوية. استقبلت الجنادرية ملايين الزوار من أنحاء المملكة وخارجها على مدار الأعوام التسعة والعشرين، ويشارك فيها هذا العام الحرفيون بأكثر من ثلاثمئة حرفة ويثري فنها الشعبي أكثر من 20 فرقة محلية، ويشارك فيها أكثر من 60 جهة حكومية وخاصة بمعروضات وأجنحة تثقيفية، كما تشاركت فيها بعض اللوحات الفنية ذات البعد التواصلي بين شعوب الجزيرة، وقد نظمت الجنادرية ما يقارب 100 محاضرة و265 ندوة ثقافية و73 أمسية شعبية شارك فيها أكثر من 5700 أديب ومفكر من داخل المملكة وخارجها، وتمت طباعة 400 كتاب أبرزت تاريخ المملكة وتراثها العريق.
هذه معلومات مختصرة عن البعد الثقافي والفكري والتاريخي لمهرجان الجنادرية التي يصعب وصفه في مقالة، ويصعب شكر القائمين عليها وعلى إنجاحها ورعايتها في كلمات بسيطة، فهو جهد جبار وعمل عظيم يسجل لهم ولم يتوقف هذا العمل عند حد معين بل أخذ يتطور من عام إلى عام حتى وصل إلى ما وصل إليه يوم أن شرف ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز، بافتتاح المهرجان التاسع والعشرين للجنادرية يوم الأربعاء الماضي.
ورغم الجهود الكبيرة التي تبذل لإنجاح مهرجان الجنادرية إلا أنني أتمنى أن يسع صدر المخططين والمنفذين والداعمين لهذا المهرجان ببعض المقترحات، التي آمل أن تسهم في تعميم الفائدة ولا سيما أننا نتفق جميعاً أن تراث الوطن أولى بمعرفته أبناء الوطن، والوطن بمفهومه الكبير كل شبر في أرض هذا الوطن وكل مواطن على كل شبر في هذا الوطن من المنطقة إلى المدينة إلى القرية إلى الهجر، شمالاً وجنوباً وشرقاً ووسطاً وغرباً والاطلاع على تراث الوطن حق لكل مواطن راغب ومهتم وحريص عليه، وهذا يدفعني إلى مطالبة المنظمين بوضع خطة سنوية تسمح وتسهل مشاركة الأبناء الطلبة في المدارس العامة وفي الجامعات والكليات الجامعية والمعاهد المتخصصة لزيارة مهرجان الجنادرية، وقد تكون من الصعب إتاحة الفرصة للجميع والاقتصار على المتفوقين والمتميزين، منهم طلاب وطالبات تتكفل وزارة التربية بنقلهم من مناطقهم إلى العاصمة مقر المهرجان لزيارته لمدة يوم واحد وعودتهم نهاية اليوم، ولا يمنع أن تخصص طائرة لكل منطقة أو أكثر من طائرة وتتحمل الجامعات تكلفة حمولة طائرة من طلبتهم ذهاباً وعودة لمدة يوم واحد مع توفير المرشدين المرافقين للطلبة لزيارة المهرجان وتراثه. ويرى البعض أن أبناء الوطن أولى من الضيوف من خارج الوطن وأنا أعارضهم وأقول ولنجمع الاثنين أبناء الوطن وضيوف الوطن لزيارة الجنادرية.
إن رصد ميزانية متخصصة سنوياً ضمن ميزانية وزارة التربية ووزارة التعليم العالي وتكليف الجامعات الخاصة بتحمل تكلفة طلبتها سوف يسهم في إتاحة الفرصة لأبنائنا وبناتنا من الطلبة وطلبة الجامعات للاطلاع على تراث بلادهم. كما أن مشاركة القطاع الخاص بدوره في مجال المسؤولية الاجتماعية وتبني رحلات منظمة لفئات من المجتمع لزيارة هذا المهرجان التاريخي كما تفعل بعض الشركات العالمية في أوطانها وأكبر نموذج لها هي شركة أرامكو، التي تخصص طائرات خاصة مؤجرة من مختلف أنحاء المملكة لنقل أبناء المجتمع السعودي للمشاركة في افتتاح أحد مشاريعها أو لحضور أحد احتفالاتها. لهذا تتيح الفرصة لأبناء الوطن من مختلف الفئات للمشاركة حضورياً. إن مهرجان الجنادرية مهرجان وطني يجمع تراث أبناء ومناطق الوطن بأكمله. ومن حق أبناء الوطن علينا إتاحة الفرصة لهم للاطلاع على تراثهم ولا يمنع أن توسع دائرة الضيوف وزوار الجنادرية من خارج الوطن لأبنائنا المبتعثين المتفوقين خارج المملكة وأبناء الجاليات الدبلوماسية السعودية خارج الوطن.
إن التغطية الإعلامية عبر جميع الوسائل الإعلامية المحلية والإقليمية المقروءة والمسموعة والإلكترونية متميزة إلا أنها غير كافية لزرع الإحساس بالفخر والاعتزاز بالتراث والتاريخ الوطني ولن تكون بديلاً عن الزيارة الشخصية.
إن أبناء المجتمع السعودي يتطلعون وبشغف لزيارة هذا التراث الحضاري إلا أن ظروف النقل تمنعهم أحياناً والظروف الاقتصادية تمنع الآخرين أحياناً أخرى.