نعم، نعم لدخول الجلادين لساحات حرم وباحات كليات البنات؛ ولا، لا لدخول المسعفين لساحات وباحات حرم كليات البنات!.
هذه الممارسات تتكرر، وما زالت وزارة التعليم العالي تتفرج؛ وكأن ما تشاهده وتسمعه يحدث في جامعات تل أبيب؛ عجيب هذا الأمر عجيب!! جامعات لا تحرص على سلامة وحياة طالباتها؛ بالطبع ستكون الأبعد في الحرص على فكر وعقل وحسن تأهيل وتدريب طالباتها.
المسؤولون في الدفاع المدني ومن حسهم الوطني والمسؤولية الدينية والإنسانية أعلنوا مشكورين، عياناً بياناً، بل أنذروا وحذروا؛ بأنهم سوف يتصدون ولو بالقوة لكل من يتدخل في عملهم ويمنعهم من أداء واجبهم، عندما يستدعون للتعامل مع حالة حرجة في مدارس أو كليات البنات. وكان ذلك نتيجة ما مروا به من تجارب مريرة؛ ذهبت ضحيتها أنفس بريئة، كان من الممكن وبمقدورهم إنقاذها، لولا تدخل جهلة حماية الخصوصية، ولو أزهقت في سبيل ذلك أنفس بناتنا، واللاتي وصانا بهن رسول الهدى والرحمة، صلى الله عليه وسلم خيراً، قبل وفاته. وبرغم أن الإسلام أعطانا فسحة كبيرة في حماية وصيانة الأنفس، عندما أكد على قاعدة "عند الضرورات؛ تحل المحرمات"؛ منع جهابذة وجهلة و"جلاوزة" الخصوصية، إسعاف الشهيدة آمنة باوزير، والتي لم يكن لها من اسمها - وللأسف الشديد - نصيب وهي في كنف أعرق جامعاتنا المدنية؛ وفي كلية تعلم وتمنح أعلى الشهادات في العلوم الإنسانية؛ حتى فارقت الحياة، ورجال الإسعاف عند الباب ممنوعون من الدخول، لإنقاذها!
الحجة في منع تأمين حياة آمنة، عدم وجود غطوتها على وجهها وكذلك باقي البنات؛ أي حرص على حشمتهن هذا والذي يأتي على حساب حياتهن! هل نصدق ذلك، هل نصدق بأن المسألة مسألة حرص زائد على الحشمة؟ لا أعتقد ولا أصدق، والدليل هو أنه قبل شهرين، وفي إحدى كليات البنات التابعة لجامعة الجوف، تم إدخال جلاد رجل لحرم الجامعة، وجلد فتاة أمام جميع الطالبات والعاملات في الكلية؛ مما أدخل الرعب والخوف والتقزز في قلوبهن؛ وقد شاهدنا كلنا صورة الفتاة والجلاد يجلدها، وتناقلت ذلك صحفنا المحلية، ولا أقول الخارجية المغرضة. وهذا ليس اعتداء وانتهاكا لحرمة وشرف الحرم الجامعي، المصان دولياً؛ ولكن أيضاً انتهاك واعتداء على نفسيات بناتنا الطالبات.
وكذلك قبل عدة سنوات وفي جامعة الملك خالد تم إدخال رجال الحراسات والأمن وهيئة الأمر بالمعروف داخل أحد مباني كليات البنات؛ عندما احتجت بعض الطالبات على الممارسات القمعية لهن من قبل إدارة الكلية؛ لتتم السيطرة عليهن. وكذلك، قبل عدة سنوات وفي إحدى كليات البنات في بريدة تم منع المسعفين من دخول الكلية وإسعاف طالبة تعرضت لأزمة قلبية، توفيت على إثرها. إذاً فالمسألة هنا ليست مسألة حشمة كما يدعي جلاوزة الخصوصية؛ وإلا كيف يجتمع منع المسعفين من الدخول لكليات البنات وترك الطالبات يمتن؛ وبنفس الوقت يتم إدخال جلادين أو رجال أمن لداخل كليات البنات، لتأديبهن ولو أتى ذلك على حساب حشمتهن؟! لماذا يمنع غطاء وجه الطالبة من إنقاذ حياتها؛ ولا يمنع من محاولة تأديبها وقمعها؟!
وأين يحدث ذلك؟ في أعتى وأعرق حصون العلم والتنوير المشيدة لدينا، جامعاتنا المحترمة! إذاً ما عسانا نقول عن باقي مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية؟ أعتقد إن لم أقل أجزم، بأن السبب هو تضخم وتفحم وتفحل الفحولة لدينا؛ التي جعلت رواسب الوأد تعلق كالطحالب الجرثومية المقيتة في ثقافتنا؛ برغم إنسانية وتحضر ديننا الإسلامي الحنيف، الذي - وللأسف الشديد - نقحم تشوهاتنا الاجتماعية عليه.
من الطبيعي بأن يفرز تساهلنا اللا مبرر بحقوق المرأة بشكل عام؛ تساهلنا بحياتها بشكل أعم، سواء وعينا ذلك أم لم نع. إن سلب الحقوق الآدمية والإنسانية لأي فئة اجتماعية أو التساهل والتهاون بها؛ هو مقدمة حتمية للتساهل والتهاون بحياة أفرادها. حياة الإنسان وأهميتها مرتبطة ارتباطا عضويا بحقوقه؛ فكلما زادت حقوقه، زادت أهمية حياته، والعكس صحيح. ولهذا يجب بألا نكل أو نمل من الدفاع عن حقوق المرأة؛ فاحترام حقوقها وصيانتها هي الضمانة لاحترام وصيانة حياتها، وبالتالي حياة كل من يشاركها المواطنة، ناهيك عمن يشاركها البيت الواحد، أو الفراش الواحد.
يبدو بأن هنالك خلطا ثقافيا شنيعا لدينا، في مسألة أو معادلة "هل العباءة وجدت من أجل المرأة أم المرأة وجدت من أجل العباءة". فنتيجة حرصنا الزائد والمتشدد الذي أوصلنا لدرجة الفوبيا المرهقة والمراهقة، في مسألة حشمة المرأة؛ جعلنا من دون أن نعي، نحرص على لفة العباءة وتماسكها حول جسد المرأة دون أدنى تفاوت بين أطرافها؛ على حرصنا على المرأة نفسها، ومدى قدسية حياتها. لو علم أسلافنا الصالحون، عندما فضلوا وجود العباءة على المرأة واستحسنوه؛ بأنه سيتحول لاحقاً لخطر يهدد حياة المرأة نفسها، لما فضلوه واستحسنوه، بل من الممكن القول، لمنعوه. فبالنسبة لهم المرأة تأتي قبل العباءة؛ أما بالنسبة لنا الآن فالعباءة تأتي قبل المرأة. وستتحول لدينا مسألة من يأتي أولا العباءة أم المرأة؛ إلى لغز يصعب حله، يحاكي لغز، من أتى أولاً "البيضة أم الدجاجة"؟ً
في طاش ما طاش 17، كتبت قصة وسيناريو وحوار حلقة "إسعاف 2010"، وهي من نوع الكوميديا السوداء، التي ملخصها بأن رجلي إسعاف يتعرضان لمشاكل، من قبيل منعهم من إسعاف النساء، ناهيك عن ضربهم وإيذائهم بسبب ذلك. ولذلك أثناء مشاهدتهم لفلم على التلفزيون؛ يعرض طريقة علاج الحيوانات المتوحشة في الغابة، عن طريق إطلاق إبر مخدرة من بندقية مخصصة لذلك، من أجل علاجها وهي تحت تأثير المخدر؛ استوحيا فكرة استخدام البندقية المخدرة؛ ليس في تخدير المرضى بها من أجل علاجهم؛ ولكن من أجل إطلاق الرصاصة المخدرة على من يقف متوحشاً، كوحش الغابة، حائلا بينهم وبين إسعاف النساء، ممن تفخمت وتفحمت لديهم نعرة الفحولة الغابرة.
وهنا استخدم المسعفان بندقيات الإبر المخدرة، والتي تستخدم في الغابات لعلاج الحيوانات المتوحشة؛ لصيد وتخدير الفحول المتوحشة والتي تحول بينهم وبين من ينتظر إسعافهم من النساء. ونجحت العملية معهم، وآخر ما استخدموها مع حرس إحدى مدارس البنات الذين وقفوا سدا منيعا ضد دخولهم لإنقاذ طالبات تعرضن لحالة تسمم، وانتهت الحلقة الكوميدية بدخول المسعفين للمدرسة وعلاج الطالبات؛ ولكن مسلسل واقعنا التراجيدي في منع إسعاف البنات؛ ما زال ساري العرض، وأمام أعين العالم أجمع.
وعلى هذا الأساس فأمام وزارة الصحة والهلال الأحمر السعودي؛ حلان لا ثالث لهما إلا الموت المحقق لمن يحتاج إلى إسعاف من النساء؛ وهما تسليح المسعفين في المملكة بالبنادق المخدرة؛ وإلا بالسماح لمسعفات بمرافقة فرق الإسعاف - فالمسألة هنا ليست مسألة وجود محرم أو عدم وجود محرم؛ المسألة هي الحفاظ على حياة حرم الله استباحة قتلها - أو بأن تتحرك كتيبة أمن خاصة مع كل إسعاف يتحرك لإسعاف أنثى.