لا يمر يوم علينا إلا وتتصدر أخبارنا المحلية أنباء عن وفاة شخص أو مجموعة في حادث سير أو حريق أو غرق أو جراء صعق كهربائي أو سقوط مبنى تحت الإنشاء، وما إلى ذلك من قائمة طويلة لا يمكن جمعها وكتابتها هنا.

اللافت في مثل هذه الحوادث، أنه للوهلة الأولى، ودون انتظار ما تسفر عنه التحقيقات، يتضح أن سبب مثل تلك الحوادث، وسبب فقداننا لعدد ليس بقليل من المواطنين والمقيمين بشكل يومي، هو الإهمال وعدم وجود الرقابة على تلك الجهات التي تقف أو تتسبب في تلك الحوادث المميتة، كان آخرها وفاة طفل جراء صعق كهربائي تعرض له على كورنيش جدة، وقبله طفل آخر صعق أيضا على كورنيش رأس تنورة، وقبلها بأيام حريق فندق بالمدينة المنورة، الذي اتضح أن سببه الإهمال، وبعده بيوم ما كشف عنه الدفاع المدني من أن حريق شاحنة الصهريج المفجع، الذي وقع قبل فترة في شرق الرياض، كان سببه أيضا الإهمال وعدم الرقابة، حيث الشاحنة كانت مستأجرة و.. و.. و... إلخ

ما يهمني هنا ليس تكرار الحديث عن الإهمال والرقابة، فقد مللنا الحديث عنهما، ولم نجد أي اهتمام من قبل المعنيين، ولكنني أقترح اليوم أن يتبنى مثلا مجلس الشورى قرارا ويقدمه لمجلس الوزراء لاعتماده، يفضي إلى إنزال العقوبات بأي شخص أو مجموعة أشخاص أو جهة سواء كانت شركة أو مؤسسة أو إدارة حكومية، يثبت أنهم وراء ذلك الإهمال الذي تسبب في وفاة شخص أو أشخاص، أو تسبب في حدوث إصابات سواء كانت هذه الإصابات بسيطة أو كبيرة.

فقد ثبت أن التعليمات والتحذيرات لا تكفي لوضع حد لهذه المهازل التي تقع جراء إهمال متعمد، وعدم الاعتبار لقيمة الإنسان الذي لا تتوقف المآسي بموته بل تتواصل تداعيات فقدانه على وطنه وأسرته وأبنائه، بينما يواصل ذلك المقاول إهماله في عدم التقيد بأصول السلامة التي يفترض أن يأخذ بها عند إجراء تعديلات على طريق عام، أو عند الشروع في تنفيذ تمديدات صرف صحي وسط المدينة أو عند تمديد أسلاك كهرباء لإنارة كورنيش.. وما إلى ذلك من الأمثلة التي يصعب حصرها.

كل المقاولين وكل الشركات وكل الأشخاص يستلمون مستحقاتهم المالية "باردة مبردة" على قلوبهم رغم هذا الإهمال وهذه الكوارث التي تقع من ورائهم، بينما هناك أسر تئن وتتلوع من فقدانها لطفل أو أب جراء إهمال ولا مبالاة هؤلاء.

نحتاج لقرارات سريعة ورادعة، تضع حدا لهذا الموت اليومي الذي لكثرته وفظاعته يكاد "يفقع مرارتنا" قهرا.