ما إن تقع عيني على أطروحة نقدية لكاتب غير سعودي وتتناول المشهد الإبداعي المحلي حتى أجزم بأن وراءها جولات من المراقبة والمعايشة ثم الانغماس فالتحليل، وهذا خير كثير ومنة تستحق العرفان لأساتذة جاؤوا إلينا مقدمين نتاج جهودهم طوال سنوات مضت في البحث العلمي والدرس الأكاديمي الرصين، وأعرف أن مؤلفات عديدة قدمتها دور النشر لنقاد وافدين كان من شأنها زيادة دوران عجلة الإنتاج الفكري والثقافي بعامة، بل رسمت ملامح مهمة وعلامات مضيئة في طريق شداة الأدب والإبداع من أبناء هذا البلد، ورأينا ذلك وقاربناه في الملتقيات المنعقدة في المؤسسات الثقافية والأدبية المنتشرة هنا وهناك، ولم يقف الأمر عند هذا الحد حيث كانت للأساتذة الفضلاء صولات منبرية أثرت الساحة وسعت إلى إبراز مكامن القوة وزوايا الخفوت في منجزنا، وهذا بالطبع لا يعني أن نقادنا من أبناء بجدتنا هنا قد قصروا في ذلك غير أننا بحاجة إلى الاستماع إلى صوت يمثل الآخر بيئة ونشأة علمية وظرفا اجتماعيا، ولعل جلّ المبدعين منا شعرا أو نثرا يسعون إلى تقديم نتاجهم إلى نقاد آخرين لم يعتادوا قراءتهم قبلا فيطمئنوا إلى أن المنجز قد حاز المستوى المأمول الذي يؤهله إلى الوقوف في مصاف الـ" ببليوجرافيا" الإبداعية، وعلى النقيض من ذلك – وأرجو ألا يعدّ أحد ما سيرد من قبيل الإقصاء- فإن المشهد أيضا لم يخل من أساتذة امتهنوا تقديم أوراق ركيكة وغير مؤسسة ولا متبعة منهجا، ومن اليسير بمكان الحكم عليها بأنها لم تكن إلا لتسجيل الحضور وللظهور فحسب، ولا أريد أن أتعمق إلى أبعد من هذا، فمنهم من لا يفارق ملتقى ولا يصعب عليه أن يكتب في كل شيء وعن أي شيء، وهذا بالطبع يحيل الإطار المعرفي إلى مشاركة نفعية صرفة لا علاقة لها بما يتوقعه المبدعون والنقاد حيال التفاعل المثري والمستند إلى النظرية أو المنهج الراسخ الذي لا يحيد عنه إلا من استسهل الأمر وشعر ألا رقيب أو حسيب.

إن مزيدا من التكريس لفعل نقدي هادف لن يتأتى إلا بمزيد من التمحيص والمدارسة وهذا – في رأيي- سيكون عبر ورش العمل المشتركة وحلقات النقاش العلمية واللجان بعيدا عن الأبراج المعلقة التي يتقوقع فيها بعض الكتبة بدعوى الاشتغال النقدي.