في فبراير الماضي الذي يوافق يوم غد الجمعة، رفعت هيئة الأمر بالمعروف يدها عن منع البيع للمستلزمات الحمراء في محلات الورود والهدايا في بعض المناطق، بعد أن كانت المحال تواجه ضغطا شديدا من قبل هذه الجهة، فقد كانت الهيئة تقوم بالتفتيش ومصادرة كل ما يصادف محتسبيها من البضائع الملونة بالأحمر، مما يتسبب في إغلاق بعض المحال وإيقاف البيع أحيانا، كذلك حظر المطاعم والمتاجر من الاحتفالات، وهذا في اليوم الذي يمارس فيه المهتمون من الناس بمختلف الجنسيات طقوس "يوم الحب" الذي يوافق الرابع عشر من فبراير كل عام، وقد يضطر البعض إلى شراء الورود والقلوب والعلب الحمراء وغيرها ويكتبون عليها بعض العبارات، قبل الموعد بيوم أو يومين لأجل توفيرها للاحتفال أو تقديمها كهدايا، حتى ولو فقدت الورود زهوها وحيويتها إلا أن رغبة التشارك في هذا اليوم تفوق القيد والمعوقات.

انعكست هذه الممارسات سلبيا على الحياة العامة وارتبط الحب ذهنيا في تفسير الخطاب الديني بالعلاقات غير الشرعية التي تشربها الفكر الاجتماعي بالطريقة التي أبقت قيمتها الحياتية والإنسانية برمتها محصورة في هذا المفهوم الضيق دون غيره، فالحظر للاحتفال بهذا اليوم يقوم على الاستنكار لقيام علاقات حب غير شرعية كما يفسرون، وأعني أن الحب كقيمة يعد قليل الأهمية وغير معترف به ولا يتبناه التفسير ليعممه على جميع التعاملات، بل جعله يقبع تحت طائل التحفظات وثقافة العيب التي ضيقت الحياة، ولو أني شخصيا لا أقتنع بحب شرعي أو غير شرعي فالحب هو الحياة، وعلى آراء أخرى تأتينا الحجج بقول "بدعة" و"من تشبه بقوم فهو منهم" و"تقليد للكفار" وغيره، وكثير من القوالب التي يتم استحضارها.

لفظة العيد المرادفة لكثير من المناسبات تأتي في كونها تعبيرا مجازياً، ليست كالأعياد الشعائرية المرتبطة بالعقيدة، فلا تعد مخالفة للدين إذا كانت لا تتعدى في أصلها على الخصائص العقائدية، كذلك الحال في بقية الأعياد والمناسبات المتفق على التشارك في الاحتفال بها عالميا، أضف إلى ذلك أن "عيد الحب" لا يحظى بنصيبه من الاهتمام رغم أهميته، فالتعسف الذي مارسه الخطاب المتطرف لسنوات زرع أسوأ المفاهيم في الفكر الاجتماعي، ولو أن الحب ينعكس على تعاملاتنا لكان الاحتفال به محل انتظار، وهذه المناسبات "عيد الحب أو غيره" ستكون مدخلا جيدا، وسنجدها فرصة سانحة ومشوقة للتغيير وإحياء علاقاتنا وتجديدها وكسر الروتين الممل.

إذا كانت علاقتنا مع الخالق تبنى على الحب، فيتوجب علينا أن نبني ونقوم علاقاتنا الإنسانية على ذات القيمة مهما اختلفت إطاراتها، ولكن كيف لنا ذلك، بعد أن غيبوا الحب، وغيبوا الإنسان، حرضوا الكآبة على تغييب أبسط وأهم وأجمل قيم الحياة.

أخيرا، كل عام وأنتم بحب، وعسى أن يكون القادم أجمل.