وإذا ما أردنا أن تكون، آمنة باوزير، آخر ضحايا الخلل المؤسساتي في البنية التحتية لجامعاتنا السعودية فيما يتعلق بالأمن والسلامة وأولوية الحفاظ على الأرواح وحق الإنسان في الحياة، فإن علينا أن نعرف بالضبط جواب السؤال: كيف تجرؤ جامعة بحجم جامعة الملك سعود كأكبر جامعات المملكة أن تدافع عن نفسها وتبرر قصة وفاة الطالبة من خلال - متحدثها الإعلامي - بأنها كانت مريضة أساسا بالقلب منذ الرابعة أو الثالثة من العمر؟ هل هذا يعد مبررا حقيقيا يخلي الجامعة من مسؤوليتها في الحفاظ على سلامة الطالبة؟ هل كل مريض أو مريضة بالقلب ليس له أو لها الحق في الحياة؟ هل الحق في الحياة بات رخيصا وتافها لدرجة الموت؟ ولمن لم يسمع بقصة الطالبة "آمنة" فليسمع: "طالبة تتعرض لوعكة صحية في جامعة الملك سعود ويأتي المسعفون خلال دقائق من مستشفى الملك خالد، الذي يبعد مئات الأمتار عن الجامعة، لكن جامعتها رفضت دخول المسعفين بحجة لا يجوز الاختلاط بين الرجال المسعفين وطالبات الجامعة، وحرصاً على تطبيق هذه القاعدة والحفاظ على الشرف حاولت الجامعة إيجاد مسلك لرجال الإسعاف بحيث لا يحدث فيه اختلاط في حين ظل المسعفون ينتظرون ساعتين ومعهم شقيق الفتاة دون أن يتمكنوا من إخراج الفتاة والنتيجة أن ازدادت المضاعفات في حالتها الصحية الأمر الذي تسبب بوفاتها".

وبالرغم من أن هذه الحادثة كارثية بكل تفاصيلها المأساوية إلا أنني لم أكن في حالة تعجب واستغراب وأنا أنظر للمشهد بكله على طريقة إذا عرف السبب بطل العجب، فلا غرابة ولا ذهول في مؤسسات تعليمية نفتقد فيها لثقافة حقوق الإنسان كأولوية رئيسية أن تكون النتيجة كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى!

إنني أتساءل: هل يمكن لمجتمع أن يغلق العين عن الحقوق الأساسية كحق الإنسان في الحياة؟ إن كنا نتقن خطاب الدفاع عن الحقوق الإنسانية وحمايتها، فإن الواقع من الصعب تجميله بالخطابات؟.

في جامعاتنا هناك من يتحدث عن إنجاز ومبادرة هي الأولى من نوعها، وهي إقرار ميثاق لحقوق الطالب، ووجود لجان حماية لحقوق الطلاب تابعة لعمادة شؤون الطلاب، ووحدات حقوقية تستقبل الشكاوى، والحقيقة أنها ما زالت بنية تنظيمية ذات طابعٍ شكلي لا تتعدى كلمة "برستيج"!.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص في المادة الثالثة "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه"، ونصت على ذلك أيضا المادة الخامسة من اتفاقية الميثاق العربي لحقوق الإنسان، التي صادقت عليها المملكة: "الحق في الحياة حق ملازم لكل شخص. يحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته" ليكون السؤال: ما هي التدابير الإدارية والتشريعية التي وضعتها الجامعة لحماية الحق في الحياة؟ هل يعقل أن مدينة جامعية تخدم أكثر من عشرين ألف طالبة فضلا عن عضوات هيئة التدريس ومنسوباتها، لا يشغل وحدتها الصحية أكثر من طبيبة وممرضتين؟؟ والأدهى والأمر أن الممرضتين لم يكن معهما سوى جهاز ضغط وعربة كرسي لا يمكن نقل الطالبة عليها! ثم ماذا عن أبنية الجامعة التي هي في واقعها غير مهيأة لاستيعاب الحالات الطارئة؟ ما هي الآليات الواضحة والمحددة في هذه الحالات الطارئة التي تتطلب دخول الإسعاف بشكل سريع؟ ماذا لو كان المريض بالقلب طالباً في الجامعة؟ هل كانت فرصته بالحياة أكبر؟ أين هو الحق في المساواة الذي كفلته الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية.

أخيرا أقول إن المشكلة الرئيسية أننا نتحدث عن حقوق الإنسان في الإطار النظري والقيمي "والبرستيجي" ولم ندخل في حيز التنفيذ والتطبيق، الأمر الذي جعل كثيرا من التشريعات القانونية والإدارية لا تأخذ صفة الإلزام والمساءلة لتبقى المسألة اجتهادات فردية متروكة للضمائر.