حين فرغت والدتي، يحفظها الله، من شرب نصف كوب البرتقال، مرغمة لتخفيف نوبة البرد، ذهبت فوراً إلى ذاكرتها الشعبية مرددة نصف بيت من فلكلور "الخطوة" الجبلية قائلة (يابس العود لا تسقيه.. و.. تقل لان عوده).. ولأن الفلكلور في هذا المخيال الشعبي بحاجة ماسة إلى الترجمة فقد كانت تريد أن تقول إن الشجرة العتيقة الجافة لن ينفعها الماء ولن يعيد اخضرار فروعها الميتة.

في بيت والدتي الشعري تبدو الشجرة هي الأفراد مثلما الأفكار هي الماء، وسأقولها بكل الوضوح والشفافية: خلصت من تجربتي الشخصية بعد سبعة لقاءات عامة أو ندوات جانبية لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني أن الخلل في مخرجات الحوار ونتائجه يكمن في (المعدل العمري) للحضور. في مياه الأفكار وأغصان الشجرة العتيقة. خلصت إلى الحقيقة، أن حواراً وطنياً يجمع في الغالبية (حضوراً) لما فوق الستين من العمر لن يصل إلى شيء لأن الرأس، حيث محتوى الدماغ و(مجازية) العقل لا يرتبط بجذور حية تشرب الأفكار وتقبل النقاش ولقاح الآراء وإعادة ترتيب الظنون والمواقف. ولكي لا يظن أحد أنني أتحامل على أعمار الستين فسأعترف أنني (الخمسيني) الذي لا يستطيع النقاش مع أسرته الصغيرة بصفتي (الأكبر) مع أوهام (الناضج) قبل أن تصرعني أمي (يابس العود لا تسقيه وتقل لان عوده).

تعلمت من والدتي أن كيس الأدوية الرسمية الضخم، مع الرديف من أدوية الرقية والطب البديل لن يزيل عنها تخشب المفاصل ولن يعيد إليها أبداً شبابية الذاكرة. لا توجد بعد الستين من العمر أي مساحة لمصطلح (حرب الأفكار)، ومن الخطأ الفادح أن تبدأ نقاش فكرة مع فرد ظل مؤمناً بها لستين سنة. وخذ أيضاً، من الأمثلة، أن الذين غيروا مواقعهم وكتبوا مذكرات (مراجعاتهم) كانوا في عمر (الأربعين) حيث لا زالت مياه (الأفكار) ذات أثر وتأثير في جذور الشجرة.

والخلاصة أن نتائج ومخرجات الحوار الوطني، وأي حوار، لن تظهر قبل سنين طويلة، فكيف إن كان (ماء) الحوار يسقى لأشجار ميتة؟