ما زالت المملكة، والرياض خاصة، ترزح تحت فاجعة مقتل المواطنة آمنة باوزير، يرحمها الله، نتيجة جريمة إغفال تلطخت بها أيدي إدارات مختلفة في جامعة الملك سعود حتى ضاع دم آمنة وأصبحت في نهاية المطاف المسؤولة الوحيدة عن موتها، لأنها تعاني، كما صرحت الجامعة، مرضا في القلب منذ عمر الرابعة.
مرض آمنة، كما تدعي الجامعة، يدينها لعلمها به، ومع ذلك تجاهلته، وتجاهلت حقوق آمنة الصحية غير المشروطة التي كفلها لها نظام الحكم الأساسي، بل وجعلت الجامعة من مرضها المزعوم مسوغا لإسقاط هذه الحقوق في رسالة للرأي العام مفادها أن من طلب العلم وهو مريض فليتحمل مسؤولية نفسه ومسؤولية مقتله داخل الحرم الجامعي.
مر أسبوع على احتضان المقبرة لجسد آمنة اليافع، ومر أسبوع أيضا على سيل إعلامي من الغضب والاستشارات والتنظير في محاولة لتصحيح مسار ممنهج بدلائل حالات سابقة دفعت أرواحها ثمنا حتى لا تلحق بهم آمنة ولكن بلا جدوى.
كل ما كانت تحتاجه آمنة حينها هو جهاز مزيل الرجفان الخارجي التلقائي معلقا على جدار المبنى الخرساني الذي تفوق قيمته قيمة الجهاز، وعلى ما يبدو قيمة حياة آمنة أيضا. كل ما كانت تحتاجه آمنة حينها هو "إنسان" مدرب على أساسيات الإنعاش القلبي الرئوي. لا يستغرق التدريب عليه وإعطاء الشهادة له سوى ساعات معدودة.. ساعات ضنت بها الجامعة إلزاميا على موظفاتها مع توفر الكوادر التدريبية لهن من داخل الجامعة، ممثلة بطالبات كليات الطب والكليات الصحية وحملة "أسعف" في مفارقة مبكية.
ومع ذلك فإن آمنة، يرحمها الله، ذات الطموح العالي لدراسة ماجستير "الخدمة الاجتماعية" ما كانت لترتضي أن يتم اختزال مقتلها في صراع تيارات أو تصفية حسابات، ما كانت لترتضي إلا أن تكون منارة لإيقاف هدر أرواح المواطنين والمواطنات من أبناء مجتمعها، كيف لا وهي من دفعت شبابها ثمنا لمواطنتها.
روح آمنة سامية ولن يستطيع تقديرها وتخليد ذكراها إلا السامي.. لن يستطيع تقديرها إلا صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض وممثل خادم الحرمين الشريفين في المنطقة.
قام الأمير خالد بن بندر مؤخرا بزيارة مفاجئة وبدون مرافقين لمدينة الملك سعود الطبية في تطبيق واقعي لمهمة الإمارة بالتأكد من كفاءة وفاعلية الخدمات التي تقدم لمواطني المنطقة والعمل على تحسين وتطوير تلك الخدمات. وعليه فإننا نطمع بزيارة مفاجئة لسموه لجامعة الملك سعود للوقوف على واقع خدمات السلامة والخدمات الصحية، ونطمع أيضا بأن تتأكد الإمارة من تحقيق سير العدالة لروح آمنة وذويها، وأن لا يتم اختزالها في منع مسعفين من دونه فالوضع متداخل بين إدارات وأقسام مختلفة في الجامعة، ولا نعلم الجهة التي ستقيم الوضع وتقوم بتعويض ذوي آمنة وتسن العقوبات وتقدم الضمانات اللازمة بألا نفقد آمنة أخرى.
روح آمنة ونحن نطمع بأن تطلق إمارة الرياض برنامجا باسم "آمنة" يكون نواة لبرنامج وطني للوقاية من توقف القلب المفاجئ. يتكون هذا البرنامج من شقين، الأول وهو إلزامية الحصول على شهادة أساسيات الإنعاش القلبي الرئوي كمتطلب للتوظيف لجميع موظفي الدولة والقطاع الخاص، والثاني هو توفير جهاز مزيل الرجفان الخارجي التلقائي في جميع مرافق منطقة الرياض والتدليل على وجودها بلوحات إرشادية واضحة وجعلها شرطا فنيا رئيسا للترخيص بإقامة مباني الخدمات المختلفة.
لا يمكن لأي قطاع حقا أن يتبنى هذا البرنامج سوى إمارة الرياض، فالشواهد عديدة على أنه لا يمكن التنسيق بين القطاعات الخدمية المختلفة ومتابعتها ومراقبتها إلا من خلال إمارات المناطق التي يبدو أنها أصبحت الملاذ الأخير للرقابة بعد تعثر ديوان المراقبة العامة وهيئة مكافحة الفساد.
رحلت آمنة وتركت لنا أحلامها التي لن يتسنى لها تحقيقها، وجلها يصب في خدمة مجتمعها وأفراده، وكلنا أمل بأن تأخذ العدالة مجراها بالتحقيق والمحاسبة العلنية ومن ثم ضمان عدم تكرارها ببرنامج يحمل اسمها يقف شاهدا على روح سامية تحدثت وصاحب سمو أنصت كعادته.