تجلس بمفردها شاردة الذهن داخل دار الرعاية الاجتماعية تسترجع شريط حياتها وما قدمته من تضحيات، وتفان، وحب لأبنائها، متسائلة في ألم .. "ما الذي اقترفته في حقهم، حتى يكون مصيري في دار للمسنات، دون أن يفكر أحد في السؤال عني".
هذا المشهد يراه الزائر لدار الرعاية متكرراً في كافة جنباتها .. "شرود، وحزن، وألم" ملامح تغلفها تجاعيد العمر، وآثار السنين البادية على وجوه هي أحوج للرحمة والرعاية منها للإهمال والنسيان.
المسنات في دار الرعاية الاجتماعية بمحافظة الطائف اشتكين لـ"الوطن"، وعبرنّ عن استيائهن تجاه معاملة ذويهنّ لهنّ، وكيف آل بهن الحال ليكون مصيرهنّ جدرانا مصمتة، وأسرَّة باردة تحتضن أنينهن ليلاً.
إحداهن تبلغ من العمر 55 عاماً، قالت: "أنا مطلقة، وأم لابن وبنتين، عانيت من زوجي كثيرا حتى انتهى ذاك الزواج بالطلاق، وبعد أن كبر أبنائي وتزوجوا، عانيت من مرض دخلت على إثره المستشفى، وبعد خروجي لم يتحمل ابني رعايتي، فأودعني بدار الرعاية الاجتماعية بمكة المكرمة، وبسبب حرارة الجو التي لا تناسب حالة مرضي، نقلت لدار الرعاية الاجتماعية بالطائف".
أما المسنة "زهرة . ع"، فقالت: "لم أتزوج، ولي أخت وحيدة تأتي لزيارتي كل عيد، وأخ"، وبسؤالها عن أخيها فضلت الصمت. وعند سؤالها عمن يقوم بزيارتها، قالت "تزورني العافية، ولي رب لا ينساني".
إحدى مراقبات الدار تحدثت عن حالة مسنة تجلس منزوية، لا تريد الكلام، فقالت: "الصمت صديقها، والانطواء هو حالها"، وأضافت: "دخلت الدار في سن صغيرة يقارب العشرين سنة بسبب مرض نفسي تشكو منه، تركها والداها دون رحمة في الدار لعجزهما عن رعايتها، وصعوبة التعامل معها، ومنذ ذلك الحين لم يأت أحد لزيارتها".
أخريات أصبحن جسدا منهكا بلا عقل، المرض ينخر في أجسادهنّ الواهية، لم يستطعن التعبير عن حالاتهنّ، أو حتى التعريف بأنفسهنّ.
وكشفت مصادر في الدار لـ"الوطن" عن وجود 30 مسنة تم إيداعهنّ في دار الرعاية من قبل أحد أقاربهنّ من أب، أو أخ، أو ابن، أو زوج، موضحة أنهنّ في حاجة للرعاية النفسية والصحية، حتى يتسنى لهنّ التعايش في الحياة الجديدة.
وأوضحت أن "الدار توفر لهنّ الرعاية النفسية والصحية، وتهيئ لهن الاستقرار الاجتماعي للتكيف مع الدار، وفي إطار ذلك العمل على ربط النزيلات بالمجتمع عن طريق الرحلات المتنوعة والنزهات، كما وفرت لهن الرعاية الوقائية من أمراض الشيخوخة، ومن لها مهنة تمتهنها تقوم الدار بتدريبها عليها حسب رغبتها".
وأكدت المصادر أنه مهما قدمت الدار ومنسوبوها لهنّ من الرعاية الكاملة، والاهتمام، والعناية فذلك لن يغنيهن، أو يعوضهنّ أبداً عن جو العائلة الذي حرمن منه.