من حقك أن تفعل ما تشاء في منزلك، لكن ليس من حقك أبدا أن تفعل ذات الشيء في الأملاك العامة، بصورة أخرى: أن تكون مديرا عاما لمنشأة ذات علاقة مباشرة بالمجتمع هذا لا يعطيك الحق في أن تتصرف فيها تبعا لحالتك المزاجية أو أهوائك! هناك أمور يفترض حمايتها من العبث، أو الاجتهادت، تحت أي ذريعة، يحب التعامل معها كالدساتير، لا تتغير إلا بصعوبة بالغة.

دعونا ندخل في الموضوع مباشرة، قبل سنوات قلت في هذا المكان إن كل شعوب العالم تشرب القهوة، من جبال آسيا وحتى شواطئ القارة الأميركية، لكننا لم نشاهد على الطبيعة ـ أو عبر التلفزيون ـ في أي من شوارع الغرب والشرق مجسما في أحد الميادين العامة لـ"فنجان قهوة"! وكل شعوب الأرض على مر التاريخ تزرع الشاي وتقطفه وتشربه، لكننا لم نر في أي شاطئ من شواطئ العالم مجسما لإبريق شاي! وحدنا في السعودية توهمنا ـ أو هكذا يراد لنا ـ أننا وحدنا أهل الكيف والمزاج، وبالتالي يفترض أن نقتنع برؤية ورأي رؤساء البلديات المتعاقبين علينا، إن رؤوا ضرورة وضع مجسم لدلة صفراء في أهم المواقع في المدينة، فثق أن ما يفعله الرئيس هو عين الصواب، وإن رأى أهمية وضع مجسم "صينية عليها تمر"، أو إبريق شاي، فيجب أن تشعر بالرضا؛ لأن هذا الرئيس "الفلتة" كان من نصيب مدينتك.

كانت مساحات الجمال في شوارعنا العامة ضيقة، اليوم تزداد العدسة ضيقا، تحول جل ما حولنا بيئات صامتة لا حياة فيها، وحينما "يأتي الفرج" تكتشف أننا رجعنا خطوات طويلة نحو الخلف!

ما زلت أطالب وزارة الشؤون البلدية والقروية، أن تسارع لحملة شاملة لتنظيف شوارعنا من هذه الأواني و"المواعين" والدلال والأباريق، إن تركناها سيتمادى رئيس البلدية، وسيفتح أدراج المطبخ ويخرج الملاعق والسكاكين وبقية المواعين! النقطة الثانية التي أتمناها من الوزير شخصيا، أن تستعين وزارته الموقرة بالتشكيليين والهواة وخريجي أقسام التربية الفنية، لنشر إبداعاتهم وأفكارهم في الميادين العامة، بعيدا عن رؤساء البلديات الذين لا يميزون "دافينشي" من "جيفنشي"!