هناك ما هو أعمق في علاقة الأزواج ببعضهم لمن يفهم معنى الزواج فعلا، الذي ينهض على تقاسم "الحلوة والمرّة" من الطرفين معا، فالزواج أكبر من مجرد "علاقة جسدية" أو "تفريخ للأطفال"، وأكبر من "ديكور اجتماعي" أو "وظيفة اجتماعية" تنهض على مقدار المصالح المحققة، وحين يكون كذلك في وعي الزوجين، أقصد بهذا الحد من العمق في الشراكة بينهما، فإن علاقتهما لا تتعكر بسبب مرض عضال أو عدم إنجاب أو قلة مال، بل تتوطد أكثر وتتجه نحو الالتحام والعمق، ولا أجد أفضل دليل على فهم معنى ذلك من قصة المواطن مرزوق خضر السلمي "34 عاما"، الذي تبرع لزوجته عفاف ذات الـ32 عاما بقطعة من جسده هي كليته، إذ نشرت قصتهما "الوطن" الشهر الماضي، فبعد معاناتها مع المرض لثماني سنوات، الذي منعها أيضا من الإنجاب في ظل ظروف قلة الحيلة والمال التي منعت سفرها للخارج من أجل زراعة الكلية، لم يكن لدى الزوج سوى أن يتبرع لها؛ كي يريحها من هذه المعاناة، ولكم أن تتخيلوا كيف هي حياة المريض بالفشل الكلوي، وكيف تعاني أسرته مع الغسيل من مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيا، تجعل المريض طريحا للفراش ومرهقا وضعيف القوى، لكن مرزوق تقاسم مع عفاف الألم وشاركها المعاناة وبعضا من جسده، ورغم أنه شاب كان ممكنا أن يتخذ له زوجة أخرى، وسيبرر له المجتمع الذكوري الذي نعيشه للأسف فعله هذا، بأن زوجته مريضة ولا تقوم بحقوقه كزوج، وأنها غير قادرة على الإنجاب، لكنه مع هذا فضل أن يكون زوجا إنسانا، وشريكا حقيقيا لزوجته، فالشراكة في مؤسسة الزواج تعني الحياة على الحلوة والمرّة معا دون أن يشعر أحدهما بأنه تفضل على الآخر.
إن ما قام به المواطن مرزوق مع زوجته عفاف، هو ضرب من الوفاء والنبل قلما يفعله الرجال اليوم في مجتمعات ذكورية مثل مجتمعنا مع زوجاتهم، فيما يكثر هذا الوفاء من زوجات تجاه أزواجهن، وإن لم تفعل لرآه المجتمع الذكوري واجبا عليهن، وإلا يقع عليهن اللوم الذي لا يقع على الأزواج ممن يكونون في ذات الظروف! فهناك العديد من الزوجات اللاتي صبرن على أزواج مصابين بالعقم أو أقعدهم المرض أو حوادث سير وفضلن إكمال الحياة معهم باختيارهن!! وبين هؤلاء وهؤلاء هناك من يمتلك الخيار بالاستمرار من عدمه، فالأمر كله يعود لمن فهم معنى الزواج، وعلى ما نهض عليه الزواج من الأساس وكيفية بنائه، فحتما زيجات الـ"تيك أوي" أو "زيجات" المصالح تخرج من هذا السياق تماما؛ لأنها زيجات آيلة للسقوط في أي وقت ولأي ظرف.
أخيرا: في كومة تلك الأخبار والحكايات التي تنقلها لنا المجالس والصحف لقصص التجارب الفاشلة بين الأزواج، تأتي قصة مرزوق وعفاف ـ أدام الله عليهما العافية والسعادة والمحبة ـ لتجعلنا نرى النور والنبل الإنساني اللذين بات كثير من الأزواج ينسونهما في مجتمعنا، ممن يرون الزواج مجرد جسد لا روح له، بينما "الزواج أكبر بكثير من أربعة أرجل على السرير" كما يقول الشاعر النمساوي راينر ماريا ريلكه.