يُشبّه حسام حلمه الذي يريد الوصول له بفتاة حسناء تحبه ويحبها، تنتظره بأعلى برج قصر منيف، يحرسه تنين شرس، يقول حسام: "التنين بالنسبة لي هو الفشل والإحباط والخوف والقنوط، وبإمكاني أن أكسر جبروته بأقوى سلاح.. سلاح الإصرار وتكرار المحاولة مهما كانت شراسة التنين في منعي من الوصول لأعلى البرج".

بحكم عمل والده الضابط في القطاع العسكري، تنقل حسام كثيراً في حياته ما بين الولايات المتحدة الأميركية وأبها والرياض والمنطقة الشرقية، واستقر أخيراً في محافظة جدة مهد طموحاته وشبابه.

في عام 1997، التحق بكلية الهندسة بجامعة الملك عبدالعزيز، ولكنه لم يحب هذا التخصص، وعندما أفشى لوالده رغبته بالتحويل من الهندسة إلى إدارة الأعمال، رفض والده بصرامة الضابط العسكري أن يترك الهندسة، وآثر حسام البر بوالده ورضخ للأمر الواقع، ولكنه لم يجعل عدم حبه للهندسة عقبة، وراح يعمل وهو ما زال طالباً بالمقاعد الجامعية في المجال الذي يحبه وهو إدارة الأعمال بأنواعها كافة. كان يمارس عمل الشبكات الحاسوبية وتجارتها مع صديقه ياسر حتى تخرج أصدقاؤه الذين كان التحاقهم بالجامعة مبكراً عنه بعامين، وحينها أصبح وحيداً بالجامعة، ولكنه ظل دائم الصلة بهم، يشاركهم الأحاديث التي شدت انتباهه إلى عملهم في شركة "بروكتر آند جامبل،" وإلى عالم التسويق والمنتجات التي يعملون على تسويقها، فشعر أن هناك فرصة ثمينة في تلك الشركة يجب عليه أن يمنحها جُل اهتمامه فالتحق بها بعد تخرجه.

لأنه موظف جديد، لا تسعفه خبرته بالاهتمام بأبرز منتجات الشركة، تم تكليفه بتسويق منتجات لا تحظى باهتمام عملاء الشركة مقارنة بالمنتجات الأخرى، بينما زملاؤه يسوقون أفضل منتجات الشركة التي تحظى باهتمام بالغ من قبل عملائها، ويطالبون بها بشكل متزايد، إلا أن ذلك لم يحبطه.

شرع سريعاً في التخطيط لإنجاح مسحوق الغسيل "بونكس" الذي كُلف بتسويقه، فأجرى بحثا ميدانيا بنفسه في عدة مدن سعودية عن انطباع العملاء عن مسحوق "بونكس"، وأثناء تنقله بين المدن السعودية، وفي جازان تحديداً، التقى سيدة جازانية خمسينية العمر، فسألها ماذا تريدين أن نضيف للمسحوق ليحوز على رضاك؟ هل نضيف له أنزيمات مثلاً؟ أم ماذا؟ فقالت له بالحرف الواحد: "ما نبغى غسيل مخ نبغى غسيل ملابس"! رغم بساطة تلك العبارة، ورغم صغر انتشار منتجه، وعدم معرفة الناس به في تلك الفترة، إلا أنه جزم إن قرْن تلك العبارة البسيطة بمنتجه، فإنها فرصته ليحقق نجاحاً يُغيّر مسار حياته المهنية. وكان له ذلك حين جعل عبارة "ما نبغى غسيل مخ نبغى غسيل ملابس" شعارا لحملته الدعائية لمسحوق "بونكس"، فحصد منتجه أفضل وأنجح دعاية على مستوى منتجات الشركة المتخصصة في الرعاية المنزلية. وحوّل منتجه الذي يعتبر الأقل حظاً في الشركة إلى المنتج الذي يتهافت عليه الجميع، وحوّل نفسه من موظف مبتدئ إلى مدير علامة تجارية خلال فترة وجيزة مقارنة بمن سبقوه إلى ذلك المنصب الوظيفي على مستوى تاريخ الشركة.

يعلّمنا حسام بأن الفرص الثمينة دائماً ما تكمن في الأشياء الصغيرة حولنا. كل ما علينا لكي نغتنمها أن نصغي جيداً لها، أن نتفاءل بأشيائنا الصغيرة، أن نقتنص الفرص ولو من كلمات عملائنا البسيطة الذين لو أصغينا لهم باهتمام، فقد نجد في كلماتهم فرصاً لا تُشترى بأغلى الأثمان.

لم تكن تلك الفرصة هي الأخيرة في مسيرة المهندس حسام، بل كانت البداية. تقلّده لمنصب مدير العلامة التجارية بالشركة والمناصب الإدارية التي تقلّدها من بعد في شركات أخرى، جعل منه مسؤولاً عن إجراء المقابلات الشخصية، واختيار فريق العمل الذي يعمل معه، فكان كثيراً ما يصاب بخيبة أمل وإحباط إزاء تدني مستوى السير الذاتية التي تصله، وعدم دراية السعوديين والسعوديات الذين يتوافدون على مكتبه ليجري لهم مقابلات شخصية، بأساسيات وآداب المقابلة الشخصية، وكيفية التفاعل مع مهام العمل في الأيام الأولى بعد الحصول على الوظيفة.

إحباطه ذلك لم يتذمر منه في وسط أصدقائه، بل انتهزها فرصة لأن يكون مدخلاً له للعمل التطوعي، وبأن يعمل على تمكين شباب وشابات الوطن من الوظائف ودعمهم وتثقيفهم ليكونوا أكثر منافسة على الفرص الوظيفية التي تحتاج إلى كفاءات عالية لينجحوا في مسيرتهم العملية، فبادر إلى التعاون مع الجامعات لعقد دورات تدريبية للطلاب والطالبات الموشكين على التخرج، وأنتج برنامجه الـ"يوتيوبي" الأول "من إلى" عبر حلقات موجهة للباحثين والباحثات عن وظائف، تعلّمهم بطريقة علمية مقرونة بمشاهد كوميدية، كيفية الحصول على الوظيفة، من بداية بحثهم عن عمل حتى يتربعوا على عرش القياديين بالشركات والقطاع الخاص.

برنامج حسام "من إلى" حاز على نجاح باهر، وتهافت الباحثون عن فرص العمل على مشاهدته، واكتساب المعرفة والمهارات التي يطرحها حسام القرشي بأسلوب شيّق ومثير.

لم تشفع لحسام القرشي التحديات التي واجهها ليعلن فشله بل دفعته ليعلن نجاحه مؤخراً بتسلمه جائزة أفضل 100 علامة تجارية سعودية للعام 2013 من صحيفة "الوطن".

ثمة سيف وحيد لم يخسر من راهن به لتحقيق أحلامه، سيف الشجاعة والتحدي والأمل.