كما يحدث في معظم الفعاليات الثقافية التي تتعلق بآثار المدينة المنورة، ثار جدل بين بعض المؤرخين في محاضرة أقيمت مساء أول من أمس، حول موقع منازل بني حارثة، ففي المحاضرة التي نظمها صالون "الوادي المبارك" بنادي المدينة المنورة الأدبي وأدارها الدكتور هاني فقيه، شدد الباحث في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الدكتور صالح الرفاعي، على أهمية تحديد منازل بني حارثة، الذين سكنوا المدينة إبان العهد النبوي، مشيرا إلى أن منازلهم معلم تاريخي ارتبطت به أحداث تاريخية، ويحدد بها حرم المدينة ومعالمها.

واستعرض الرفاعي خلال ورقته التي حملت عنوان "موقع منازل بني حارثة في ضوء الأحاديث النبوية وأقوال المؤرخين وأثر ذلك في تحديد حرم المدينة"، أقوال مؤرخين في تحديد موقع منازل بني حارثه، مشيرا إلى اختلافهم في ذلك، مرجحا أن منازلهم تقع، على أصح أقوال المؤرخين، في الجزء الشمالي من الحرة الشرقية، وهو الجزء الذي يسمى حرة بني حارثة نسبة لهم، معددا بعض الأدلة على ما ذهب إليه.

وذكر الرفاعي أن مؤرخ المدينة "السمهودي" من أشهر المؤرخين الذين تعقبوا مواقع منازل بني حارثة، وحاول توثيق مواقعها في مؤلفاته، معتمدا في نقله على ما كتبه "الواقدي" و"ابن زبالة" متبعا الشراح والمحدثين، الذين أوردوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال لبني الحارثة "أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم.. بل أنتم فيه" معتبرا أن منازلهم حد من حدود الحرم من الجهة الشرقية، نافيا أن يكون الجزء الشرقي من جبل أحد يقع ضمن حدود حرم المدينة.

وحدد الرفاعي 3 مواقع اختلف فيها المؤرخون عند تحديدهم لمنازل بني حارثة، فمنهم من قال إنها غرب قبور شهداء أحد شمال المدينة، ومنهم من ذهب إلى أن منازلهم في حرة العريض في الجهة الشمالية الشرقية من المدينة وأصحها ـ حسب رأيه ـ أنهم كانوا يسكنون مع بني عبدالأشهل في الحرة الشرقية، مبينا أن سبب خلاف المؤرخين في تحديد موقعهم كان بسبب حرب وقعت بين بني عبدالأشهل، وبني الحارثة، انتهت بإجلاء بنو الحارثة لخيبر، وعندما عادوا إلى المدينة سكنوا في غير موقعهم الأول.

وخلص الرفاعي في محاضرته إلى أن مواقع منازل بني الحارثة تبدأ من طريق الملك فهد - شمال المدينة - إلى ما كان يعرف بمسجد أبي ذر الغفاري، ويصل إلى وادي مهزور، مطالبا بتشكيل لجنة للبحث والتقصي لما خلص إليه في بحثه وتحديد موقعهم واعتماد إحداثيات لها بأجهزة تحديد المواقع الإلكترونية الحديثة لأهميتها الجغرافية والتاريخية.

وشهدت المحاضرة عددا من المداخلات المعارضة، كانت بدايتها من الباحث بتاريخ المدينة عبدالله الشنقيطي، الذي رد ما ذهب إليه المحاضر، وقال معارضا: إن الحرة الشرقية تعدّ حدا للمدينة، مما يعني ذلك أن بني حارثة كانوا خارج حدود المدينة، وفي غير الموقع الذي رجحه المحاضر.

وجاءت مداخلة الباحث الآخر الدكتور تنضيب الفايدي، موافقة لسابقه "الشنقيطي" كون بنو حارثة كانوا يسكنون مع عبدالأشهل، وأن الباحث لم يذكر عدد منازل بنو حارثة، ومساحة كل منزل أو مساحتها إجمالا، نافيا ما ذهب إليه المحاضر من وقوع حرب لبني حارثة أجلتهم لخيبر وسكنهم في أكثر من موقع بالمدينة.