في يوم ما وأثناء عمل لجان التصحيح في الاختبارات عصرا أغمي على زميلة؛ فاتصلت وكيلة المدرسة الأستادة فوزية القرني بالإسعاف، ثم اتصلت بإدارة التعليم لتخبرهم؛ فجاء صوت إحدى القياديات في التعليم تنبه فوزية إلى أهمية ألاّ يدخل رجل الإسعاف إلا مع ولي أمر المعلمة، اعتذرت فوزية منها ورفعت السماعة الأخرى لتطلب من الحارس إدخال رجال الإسعاف بمجرد وصولهم، دخل المسعفون وأنقذوا المعلمة التي كانت تعاني من إغماءة سكر كانت ستقتلها!

مقتل آمنة، وأسميه "مقتل"؛ لأن هذه الفتاة التي اغتال الإهمال والتقاعس عن إسعافها حياتها وأسكنها القبر ذكرني بهذا الموقف القديم.

إن الأنظمة "البايتة" منذ عشرات السنين ما زالت تقود القادة وتتحكم بهم، بينما فوزية ومن مثلها من القيادات لا يمكن أن يتركوها تتحكم في قراراتهم؛ لذا سينجحون ويصلون بينما القائد التابع سيظل فاشلا ينتظر الجميع تقاعده أو محاسبته.

وبما أننا نتحدث عن القوانين "البايتة" دعونا نتساءل: أين هي القوانين والأنظمة المفترض أن تكون موجودة وحاضرة؟ وكيف لم تطبق أو ربما لم توجد أصلا في جامعة الملك سعود؟

جامعة هي الأكبر إقليميا لا توجد فيها خطة للطوارئ؟ ألم يخطر ببالهم مطلقا أنه قد تقع أي حادثة في داخل الجامعة، ولا بد من تجهيز المبنى والعاملين والهيئة التعليمية استعدادا لأي حدث؟ بل ماذا عن المصعد كيف ظنوا أنه بالإمكان إنزال مصاب في الدور الثالث مثلا؟!

أنا لا أشك مطلقا في أن مدير الجامعة وفريقه كانوا حريصين على الجدول الدراسي والمحاضرات ونسب حضور الطلبة وتقدمهم علميا، لكن يا سيدي الأهم هو حياتهم؛ فلِمَ لم تفكر فيها؟ وكيف استمر مبنى دراسي به كل هذه النواقص مفتوحا للطلبة؟

والسؤال الأهم: كيف وافق الدفاع المدني على سلامة الجامعة ولا يوجد بها مصاعد أو طريقة لدخول سيارات الإسعاف للحرم المخصص للطالبات؟

لماذا إذا كانت تحفظاتكم تمنع دخول سيارة إسعاف يقودها رجل لم تدربوا نساء على قيادات سيارات الإسعاف يكن جاهزات بها للإنقاد في أي مكان بالجامعة وليس مجرد ممرضتين لا يميزهما سوى اللاب كوت؟ وتتنقلان بأقدامهما في حي كامل من المباني الجامعية وآلاف الطالبات!

إن جامعاتنا تهتم بالبوابات الضخمة والقاعات الواسعة والمكتبات التي لا تسمع فيها نفسا واحدا، وتنسى أمورا تظنها صغيرة وهي الأهم؛ لأنها تلعب دورا في إنقاذ حياة طالب مثل: العيادات المجهزة الثابتة والسيارة، وممرض في كل مبنى، والتاريخ المرضي لكل طالب، والحرص على وصول كل المعلومات لأساتذته ولمشرفي المباني التي يوجد بها لتلقي محاضراته، كما تفعل كل جامعات الدنيا.

أقول: ربما لأن هذه الجامعات ـ أعني في العالم المتقدم ـ تخشى القانون، فمن حق الطالب الادعاء عليها، وربما لأنها تنظر للطالب على أنه مشروع مستقبل للبلد فتحافظ على صحته كما حافظت على عقله، وتضمن سلامته مند دخوله حتى خروجه.

وبما أننا نتحدث عن سلامة عقل الطالب الجامعي ونفسيته، فإن آمنة باوزير توفيت وسط طالبات جامعة الملك سعود، وجميعهن شاهدن التخبط في إنقاذها، بل بعضهن حاول أن يفعل شيئا. خاصة أن من رحلت زميلة لهم كانت تشاركهم حلم التخرج والمستقبل.

مما يدفعني للتساؤل: هل اهتمت الجامعة بالموقف الذي حضرته طالبات من الجامعة؟ هل ستعقد الجامعة أسبوعا تتحدث فيه لطالباتها وطلابها لتهدئة مخاوفهم، أو علاج من تأثرت نفسيته، وخصوصا من الطالبات اللواتي شاركن في الإنقاد وظهر الحزن والألم في تغريداتهن في تويتر؟

من جانب آخر، إن اعتذارات وادعاءات الجامعة لا تبدو مضحكة ولكن مأساوية، وبخاصة إخبار مديرها للناس بأن الفتاة أصلا مريضة بالقلب؛ مما يجعلني أتساءل: هل هذا يجعل من ذنب جامعتك أقل وموتها طبيعيا أو عدم إسعافها إلا بعد ساعتين منطقيا؟!

لقد كنا يا أيها الدكتور المبجل ننتظر اعتذارا منك تعترف فيه بذنب جامعتك، وتعد كل طلابك بتوفير ما يضمن سلامتهم أثناء ساعات دوامهم لديك وليس فقط ضمان تعليمهم.

دعني أقول لك هنا: إن القيادة ليست وجاهة، ولكن تحمل للمسؤولية ليس أمام الدولة، ولكن أمام الله عز وجل، وآمنة باوزير ذهب شبابها في مكان أنت تديره، ولن تعفيك المبررات، لكن العمل على التغيير بكل ما ذكر هنا أو ذكر في مقالات أو تغريدات الناس ربما يجعل جامعتك لا تواجه ضحية أخرى.

وأخيرا، قرأت في مكان ما أنه ذات يوم وأثناء سقوط مدرب مظلي وتلميذه لم تفتح المظلة؛ فظل المظلي المدرب يقول للتلميذ: سامحني سامحني، وعندما اقتربا من الأرض قلب المدرب نفسه ليصطدم بالأرض وينجو التلميذ إلا من إصابات بسيطة!