كلمة "الأمر الملكي" تعني ـ عند المتخصصين ـ التعبير بوضوح عن إرادة الملك بصفته ملكًا، ومرجعًا لكل السلطات، وتضفي على المأمور به صفة أقوى وأعلى القرارات التنظيمية.. وعن الأمر الملكي الأخير الذي أمر به قائد البلاد، وولي أمرها ـ حفظه الله ورعاه ـ بخصوص "مقاتلي الخارج" و"الحزبيين" ـ كما عنونته جريدة الوطن ـ لا بد من أن أبدأ بذكر أن أول ما لفت نظري الصياغة الراقية والحكيمة، والاستدلالات الدالة على نظرة فقهية عالية؛ حيث ذكر الأمرُ قواعدَ المصالح المرسلة في الفقه الشرعي، وأن من واجب ولي الأمر سد الذرائع المفضية لاستهداف كيان الدولة من المنتمين للتطرف، والمتعاطفين مع تياراته، وهذا عين ما يدعو إليه كل طالب علم منَّ الله عليه بنصيب من العلم النافع؛ فالجهاد في سبيل الله تعالى مثلا وضعٌ مناط بولي الأمر، هو الذي يدعو إليه، ولا راية لفرد دون أمره، وما عدا ذلك نوع من إلقاء الأنفس في التهلكات.

الأمر الملكي الكريم الذي حظي بتفاعل مختلف الأطياف يعني فيما يعني أمورا كثيرة، ومن أهم ما يعنيه أن أعداء "تآلف القلوب" على المنهج الشرعي للبلاد ـ كما نص الأمر ـ وأعداء الاستقرار، والطمأنينة، والسكينة، ومن يشجعهم من المتجاوزين، والمتخطين لضوابط الحرية، ومن "يغذيهم" من مشجعي التشرذم، والتشتت، والانشقاق، والتصنيف في الداخل أو الخارج سواء.

إن كل من ينظر يميناً أو يساراً يجد الزعازع ـ جمع زعزعة ـ في كثير من الدول المجاورة، بسبب الأبعاد السياسية، والأبعاد الاجتماعية، والأبعاد المذهبية، والأبعاد الفكرية التي باتت من العمق بحيث تكاد أن تشطر ـ وللأسف ـ البلد إلى بلدين، والمدينة إلى مدينتين، والحي إلى حيين، والشارع إلى شارعين، والبيت إلى بيتين في آن واحد.

أتأمل أن يكون هذا الأمر ـ بعون الله تعالى ـ رادعًا لكل من يحاول أن يحدث الفرقة في هذا البلد، ومنهيًا لفكر أصحاب الرؤى الشرعية القاصرة، ومانعًا لمحبي الظهور، والانتصار، والاستبداد من هواياتهم المقيتة هذه، ومفهمًا للصغار أن عدم الاحتكام إلى كبير أمر لا ينتج عنه إلا الفوضى (غير الخلاقة)، وأتمنى ـ صادقًا وأمينًا ومخلصًا ـ لو أن كل الدول الخليجية بالخصوص، والدول العربية بالعموم تأخذ بمنطوق ومفهوم الأمر الملكي، وتسرع ـ اليومَ اليوم وليس غدا ـ في تطبيقه.

كفى تقسيم الناس إلى علماني وإسلامي.. كفى تقسيم الناس إلى سلفي وصوفي.. كفى تقسيم الناس إلى صالح وطالح.. كفى تقسيم الناس إلى فاسد وطاهر.. كفى وصاية على عقول الناس.. كفى عنفا.. كفى تبني قضايا الآخرين.. كفى إفتاء عن بعد.. كفى مغالطة.. كفى إحباطا.. كفى كرها.. كفى تيارات.. كفى جماعات.. كفى شعارات.. كفى فسادا.. كفى تحريضا.. كفى ترويجا.. كفى تلفيقا.. كفى غسل أدمغة.. كفى شعوذة.. كفى دروشة.. كفى خزعبلات.. كفى خرافات.. كفى زندقة.. كفى نطحا.. كفى شطحا.. كفى قسوة.. كفى جفوة.. كفى غلظة.. كفى تشددا.. كفى تبديعا.. كفى تفسيقا.. كفى بذاءة.... كفى خلافا.. كفى تقديس أشخاص.. كفى تعظيم أحزاب.. كفى خيانة للبلد والأمة، ومن لا يريد أن يستكفي بنفسه فالله ـ القوي الجبار ـ رقيبه وحسيبه، ثم ما سمع بأذنيه، وما ينبغي أن يعيه قلبه؛ فالأمر إن لم ينته (بالمروة) ـ كما يقول العوام ـ، فسينتهي ـ وللأسف ـ (بالقوة).