من المتعارف عليه أن العربون دائما يتم دفعه من قبل أي شخص يرغب في شراء، أو اقتناء، أو امتلاك بضاعة، أو أدوات، أو تجهيزات، أو غيرها، وهو عربون التقاء، وتقارب، وهو من النوع الإيجابي للعربون، ويعتقد البعض أن العربون يقتصر على الجانب الإيجابي فقط مثل عربون المبايعة، وعربون الصداقة، مع أن هناك نوعا آخر هو العربون السلبي، وهو عبارة عن سلوكيات يمكن ملاحظتها على المستوى الاجتماعي، أو الأسري، أو على مستوى بيئة العمل، والعربون من النوع السلبي يمكن توظيفه في مواقف حياتية مختلفة، وقد يتم استخدامه بقصد، وبنية مبيتة تمهيدا لأحداث مستقبلية، أو قرارات قادمة، أو تصرفات معينة، وهذا ما أسميه بعربون الفراق، كما قد يمكن أن يتم الوقوع في هذا النوع من التصرفات من دون قصد، ولكنه نتيجة للاعتقاد بأن من يمارسه يحسن التصرف، أو يسلك الطريق الصحيح.
وعربون الفراق، أو العربون السلبي الذي يتعمد أي شخص ممارسته مع الأفراد الذين يعيشون معه، أو يعملون معه من خلال القيام ببعض التصرفات بهدف استثارة الآخرين، وتكوين اتجاهات سلبية نحوهم، وقد يصل الحد إلى كسب عداوتهم، ولعل الأمثلة عديدة على مثل هذا النوع من السلوك، فعلى المستوى الأسري عندما يخطط بعض الأزواج إلى الزواج من زوجة ثانية، أو التخلص من الزوجة الأولى بطلاقها؛ فإنه يعمد إلى البحث عن مسببات، أو عوامل تشجعه، وتدفعه إلى أن يقنع نفسه بالزواج من ثانية، ففي مرحلة التمهيد والبحث عن هذه المسببات يحاول أن يتصيد كل السلبيات على زوجته الأولى، ويجمع الملحوظات، ولا يقبل منها أي تصرف، ويكثر من انتقادها، ويعاملها بنوع من القسوة، ويشعرها بأنها مقصرة في واجبه، وغير ذلك من الملحوظات التي قد تكون في أغلبها غير واقعية، وكل هذه التصرفات عبارة عن مؤشرات لعربون الفراق، وهنا أرى أن من يسلك هذا الأسلوب من الأزواج مع زوجته تمهيدا لطلاقها، أو للزواج عليها يعاني من شخصية ضعيفة، ومستوى ثقته بنفسه منخفضة، وهنا أرى أن تكون للشخص شخصيته، وأن يكون واضحا بعيدا عن الالتفاف على الواقع، والتصنع، وتعمد اختلاق المواقف غير الصحيحة.
وقد تكون الأسباب التي تؤدي إلى ذلك غير منطقية، أو غير واقعية من قبل أحد الزوجين، وفي كثير من الأوقات يقع الخلاف نتيجة سبب لا يستحق التوقف عنده لكن الشيطان يهول الموضوع لدى الطرفين، ويجعل الخلاف يستمر لفترة طويلة، والمؤلم أن كثيرا من الخلافات الزوجية من هذا النوع تحدث بعد فترة طويلة من الزواج، وإنجاب عدد من الأطفال، وبعد هذه الحياة الزوجية تنقلب الأمور رأسا على عقب، ويبدأ الشقاق، والخلاف بين الزوجين لأتفه الأسباب، وقد يكون الزوج هو العامل الرئيس لحدوث هذه الخلافات تمهيدا لمخطط ينوي القيام به، وقد تكون الزوجة هي من يعمل على إيجاد مثل هذه الخلافات غير الواقعية، أو غير الحقيقية لكنها ترغب في التخلص من زوجها، وتصرف الزوج في مثل هذه المواقف يذكرني بالقصة التي تدور محاورها حول رغبة رب الأسرة معاقبة أفراد أسرته وضربهم، وعند البحث عن الأسباب لينفذ مخططه ومعاقبة أفراد الأسرة فلم يجد سببا مقنعا له، فتعمد أن يحاسبهم جميعا لأنهم تركوا "الشريم" أو ما يعرف بالمحش، الذي يستخدم في حصاد البرسيم في الشمس، وما يضير المحش لو تُرك تحت أشعة الشمس لفترة طويلة، لكن هذا الأب تعمد إيجاد أسباب مقنعة له لمعاقبة، أو لضرب أفراد أسرته، ومن وجهة نظري - على الأقل – أن هذا الأب بحاجة لجلسات علاج نفسي، وأسري لكي يستطيع أن يتعامل مع الأمور الأسرية بنوع من الروية والمنطقية، وإذا كانت لدى الزوج النية في الزواج من أخرى فديننا الحنيف أحل التعدد ولكن بضوابط، ولا يحاول تصنع الأعذار، والمشكلات لكي تكون مبررا له للزواج من أخرى، أو طلاق زوجته، وفي حالة وجود الرغبة لدى الزوج في التعدد فما عليه إلا أن تكون لديه الشجاعة بأن يتخذ القرار الذي يراه مناسبا حيال هذا الموضوع بعيدا عن مضايقة الزوجة الأولى التي مكثت معه فترة من حياتها، ولكي تظهر أمام الناس بأنها هي أساس المشكلة، وهي التي دفعته إلى الزواج من أخرى، الموضوع لا يتطلب أكثر من قرار مدروس بعيدا عن البحث عن مبررات غير واقعية، ولا يكون فراق الزوجة الأولى يتم من خلال عربون فراق بخيس الثمن والمسببات.