"أهل الدين القويم" "المحتجون" "الإخوان" هل تشبه هذه الأسماء بعض الطوائف والحركات الإسلامية بطريقة ما؟
في الواقع هي معاني كلمات تعني "الكاثوليك" و"البروستانت" و"الأرثوذكس" من الفرق المسيحية التي ظلت تقتتل مئات السنوات محاولة كل فرقة إلغاء الأخرى، والحديث باسم الرب دون شريك ومنازع، ومنح صكوك الغفران والتأكيد على أنهم وحدهم سيدخلون الجنة وغيرهم حطب جهنم الذي يجب أن يكسر حتى قبل أن يدينه الله يوم القيامة!
قتل كثير من الشعراء والفنانين والمفكرين وكل من حاول أن يثبت أن السلام أهم والإنسان يأتي أولاً على يد من ظنوا أنهم لن يصلوا إلى الجنة إلا إذا وطئت أقدامهم على جثتك.
لم يكن الإيمان وارداً ولا المسيح -عليه السلام- لكن المسيح كان دائماً يظهر بطريقة ما في صف أحد الجيوش المتنازعة حيث يقسم القس أنه رآه وهو يبارك جنوده المنطلقين نحو قرى فقيرة ونساء ضعيفات وأطفال عاجزين لا يتفق فكر آبائهم مع فكر هؤلاء الجنود؛ لذا وجب قتل كل من ينتمي إليهم!
كيف استطاع هؤلاء الرهبان والقساوسة خداع الناس على الرغم من تسامح المسيح وعفوه وقوله: أدر خدك الأيمن لمن ضربك على الأيسر، ومن يكن منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر، وكل عبارات السلام التي يمتلئ بها الإنجيل الذي لن يأخذ منهم لحظات في فتحه وقراءته؟
لا تفكر عزيزي القارئ كثيراً كيف خدع الناس وأباد بعضهم بعضاً لأن الجهل أكبر عدو للإنسانية، هو الذي يجعلها فقيرة معدمة، والشعوب الفقيرة غارقة غالباً في العواطف، وسوق هؤلاء الرهبان رائجة في وسط دخان الحروب والمعارك؛ فما أسهل أن تصبح شجاعاً على منبرك أو متكئك أو حتى في حسابك بتويتر!
تسرد للناس قصص الجهاد، وترفع صوتك بقصائد الموت في سبيل الإسلام، وتغري مراهقين بقتل بعضهم بعضاً، ثم تصبح صنماً يكفر كل من ينتقده.
لقد اكتشفت أجيال الأوروبيين الحقيقة فباعت الدين وما حمل واختارت الإنسانية لإنقاذ ما تبقى حتى أصبح يتعجب أحدهم أن تظنه مسيحياً فيقول: عذراً أنا أؤمن بالله لكن No religion.
اختفت غالبية الطوائف ولم يبق في أوروبا سوى 26% من مسيحيي العالم، وتركوا للفقراء و"غلابا" العالم الثالث فكرة المسيحية يختلفون حولها.
أفكر كثيراً فيما نريده من بعضنا كمسلمين على اختلاف طوائفنا؛ هل نريد أن نقنع الآخر بما نؤمن به؟ والله يقول: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
وهل هناك أسوأ من تناول أعراض الناس ليس لينفضوا بل ليكرهوك ويحقدوا عليك ويصروا على ما هم عليه؟!
هل هو جزء من هذا الدين سب الآخرين ولعنهم على المنابر؟ إذن لم نهانا الله حتى عن سب الكافرين؟
الحقيقة أن هذه الكراهية والحرب الشعواء على المخالف لا أساس لها في كتاب الله عز وجل، ولا يتربح منها سوى أعداء الوطن والدين.
إنه مستقبل مظلم ينتظر قواد الكراهية وجنودهم مهما ادعوا أن أهدافهم نبيلة سيأتي يوم -بل بدأت علاماته- يكتشف فيه الناس حقيقة تجار الدين وعشاق الخلافات، وأصبح الناس لا يطيعونهم في حق أو باطل، وأخشى ما أخشاه أن نخبئ الدين ذات يوم في المسجد ونستجدي الناس بباقات الورود لكي يفكروا في الاستماع لشيخ أو واعظ، كما تفعل الكنيسة اليوم!
وأنا أكتب هذا المقال صدر قرار خادم الحرمين بتجريم مقاتلي الخارج الذين خرجوا بدعوى الجهاد في سبيل الله عز وجل، وتجريم كل من يدفعهم لذلك، ولا شك أنه قرار عظيم لكننا أيضاً بحاجة لتوعية الشباب عن ماهية الجهاد الحقيقي، وأنه اليوم في السباق العلمي والتكنولوجيا وإبراز صورة الدين الحقيقية التي تدعو إلى السلام والحب، فما محاولات حروب العصابات إلا عبث ينتج عنه كثير من السلبيات، وأهمها مقتل من أمر الله بحفظ حياته، وتشويه خطير لصورة الإسلام في الوقت الذي كان قبلهم يحقق أعلى معدلات الانتشار، ناهيك عن الفساد الكبير وإراقة الدماء كما في أفغانستان وسورية.
يجب أن يدرك هؤلاء أنهم تركوا الثغر الأهم "الانطلاق بالإسلام".. إلى استفزاز قوى عظمى تهلكهم بطائرات من دون طيار أو تجيش بعضهم على بعض.
إن الحرب دائماً تجد تجارها وأموالها وضحاياها من المخدوعين الذين يموتون بلا طاعة ولا بيعة وبغضب وحزن من الوالدين حاملين ذنوب مدن مسلمة أريق دم أهلها، ولو جاء من يخرجهم منها لفعلوا بهم كما فعل الأفغان في زمن مضى بهم مصحوبين باللعنات.
إن الجهاد الحقيقي هو حفظ وطننا ووحدته، ولن يكون ذلك سوى بسلام حقيقي يثبت ويحفظ بقوة القانون ليخرس غربان الحروب وتجار العواطف.