السؤال الكبير الذي نطرحة اليوم هو: لماذا يشتعل العالم العربي والإسلامي ويتدمر ويتخلف بينما بقية دول العالم تنعم بالأمن والاستقرار والازدهار؟ الفرضية الأولى أن الأعداء يخططون له ويضعون له الكمائن، وهو من الغباء بمكان أنه يقع فيها بسهولة مبتلعاً الطعم الذي وضع له، وبهذا ينجح أعداؤه في تحقيق مآربهم بأن يشتغلوا بأنفسهم عن الغير في اقتتال وتطاحن بين بعضهم بعضا كهدف أول، ويقتاتون على ذلك النجاح بفتح أسواق يستنزفون بها خيراتهم بطرق كثيرة، منها بناء ما يتم تدميره واستمرار مكينات مصانعهم على اختلاف أنواع منتجاتها في الدوران بفواتير عالية نزيد بها طين الاقتتال والتدمير بلة كهدف ثان.. الفرضية الثانية هي السياسات التي ينتهجها العالم الإسلامي والتي أدت به إلى الحال التي هو عليها الآن.. والفرضية الثالثة أننا لا نجيد شيئاً في الحياة ونبرع فيه إلا ما نفعله الآن.
لن أناقش الفرضيات واحدة واحدة وأختبرها وأقدم حولها الشواهد ودرجة صدقها إحصائياً كما نفعل نحن معشر الأكاديميين في البحث العلمي؛ لأن هذا ليس بحثاً علمياً صرفاً، وإنما سأتناولها بالنقاش مجتمعة.. لا شك أن هناك عوامل عديدة أدت إلى أن تكون منطقة الشرق الأوسط والمناطق الإسلامية نقطاً ساخنة على الأرض، منها ما نحن كعرب ومسلمين سببه، ومنها ما يلعب الغرب دوراً كبيراً فيه، ومنها ما يخطط لنا ونقع بمنتهى الغباء فريسة فيه.. سياسات الغرب في العالمين العربي والإسلامي ليست عادلة ..هذه حقيقة.. لكن الحقيقة الثانية هي أننا نحن السبب الأول في ذلك.. فنحن كعرب ومسلمين أمم ضعيفة، وللأسف أن الضعيف لا يُحترم ولا يقام له وزن حتى على مستوى العلاقات الشخصية.. ثم إننا كعرب ومسلمين نرتكب حماقات أدت بنا إلى ما نحن فيه.. فيغزو بعضنا بعضاً.. ويخطط بعضنا ضد بعض.. ويقول بعضنا لبعض كلاماً جميلاً أمامنا وفي العلن، ثم يقول في السر كلاماً مختلفاً وسيئاً ومغرضا، وربما تحاك مخططات شيطانية.. ونحن عرباً ومسلمين لسنا على قلب رجل واحد.. فإذا كانت هذه حالنا فكيف نتوقع أن نكون؟
مع آخر عقد من الألفية الثانية وأثناء العقد الأول من الألفية الثالثة أخذت الأزمات في عالمنا أبعاداً جديدة زادت من اللهب المشتعل في منطقتنا، وتمثلت تلك الأحداث في غزو الكويت ثم ما تبعه من تبعات أدت إلى ما نراه في العراق.. ثم أفغانستان وباكستان، وفي بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة أخذت الأزمات في منطقتنا منحى آخر تمثل فيما نراه في سورية ومصر واليمن وليبيا.. كل ذلك سيجعل من عالمنا عالماً ملتهباً مضطرباً نخشى أن يتسبب استمراره في فقدان أمننا واستقرارنا والحفاظ على مكتسباتنا، فاستمرار الاضطرابات سيؤدي إلى رجوعنا للوراء عقودا عديدة لا سمح الله ولا قدر.
الأمر في غاية الجدية وغاية الخطورة ولا بد من وضع آلية لعلاج أسباب هذا الاضطراب الذي يشهده عالمنا وكيفية الخلاص منه، كي ينعم عالمنا بالاستقرار الذي ينشده ويستحقه.
فيما يتعلق بمشكلة فلسطين.. ليست إسرائيل هي المشكلة الأولى، بل التطاحن والتفرقة والاختلاف بين الفصيلين المهمين في فلسطين: فتح وحماس.. كيف يمكن لأبناء المصير الواحد والوطن الواحد وهم على جبهة المقاومة لمحتل غاشم أن يكون بينهم هذا التطاحن وهذا الخلاف؟ لا بد من تأجيل أي خلاف أو اختلاف في وجهات النظر حتى ما بعد الانتهاء من إعلان الدولة الفلسطينية على أرضٍ فلسطينية ثم إقامة دولة مؤسسات وقانون ونظام ثم الاحتكام إلى النظام في أي خلاف.. أين العقلاء وأين الحكمة وأين الرأي الحصيف؟.. إن أحد أهم أسباب نجاح الأعداء علينا هو تشرذمنا وتفرقنا.. كيف يمكن لدول أوروبا التي لا يجمعها دين ولا لغة ولا تاريخ أن تتحد وتكون قوة اقتصادية وعسكرية وهي بتلك الحال ونحن الذين لدينا كل مقومات الاتحاد تسودنا الكراهية وتلفنا التفرقة ويحيط بنا الاقتتال.. يا للعجب.. كيف تلاشت الحكمة وغاب العقل عن خير أمة أخرجت للناس.. ثم إن سياسات الغرب التي يرى فيها البعض السبب الثاني في تفرقة المسلمين يمكن التغلب عليها بتوحيد الكلمة والصف لفرض سياسات عادلة من قبل الغرب في منطقتنا.. الغرب لا يتوانى عياناً جهاراً في دعم المحتل في فلسطين ومساعدة الظالم في سورية ولا يخشانا ولا يقيم لنا وزناً، فهل ننتظر حتى يصل أذاهم إلى كل دولنا وأوطاننا؟ والله لن يتوانوا إذا رأوا في ذلك مصلحة لهم حتى لو تم القضاء علينا جميعاً قضاءً مبرماً طالما أنهم يرون في ذلك استقرارا لهم وازدهاراً لأوطانهم وتقدماً لمواطنيهم..هذه حقيقة ثبت صدقها في أحداث الزمن الماضي القريب.. انظروا.. هذه شعوبنا تقتّل.. وهذه مدننا تدمّر وهذه مصالحنا تهدر أمامهم في ممارسات واضحة تتعارض مع ما يتشدقون به من مثل وقيم ومبادئ ولا أثر واضحا لجهودهم في وقف نزيف الدم العربي والمسلم أو الحرص على سلامة الممتلكات أو الاهتمام بمصالحنا المهدرة.. كيف نتحدث عن سياسات عادلة من قبل الغرب ونحن في هذا الوضع الهزيل من الضعف والاختلاف.. بداية حل مشكلاتنا يجب أن تنطلق منا نحن..صدقوني..لن يأتي حل مشكلاتنا عن طريق التوسل، ولن تنتهي مشكلاتنا بالاستجداء.. الآخرون لن يحترمونا ولن يقيموا لنا وزنا ولن يقروا سياسات عادلة وهذا وضعنا.. هل نعي الآن أم بعد فوات الأوان؟ سياسات الغرب لها دور فيما يحدث في عالمنا ولنا دور أيضاً. في المقابل أرى أنه من الأفضل وعلى المدى الطويل أن يعيد الغرب حساباته ويقر سياساتٍ عادلة تكرس القيم العالمية التي يؤمن بها.
خلاصة القول أن مناقشة هذه الأمور لم تعد ترفاً بل ضرورة. مصالحنا في عالم اليوم مشتركة، وما نعاني منه في منطقتنا سوف يؤثر على العالم كله في حال تفاقمت الأمور. منطق القوة والجبروت والتقتيل الذي نلمسه في سياسات الغرب ثبت أنه لم يعد مجديا.
فهل حان الوقت لكي تُنتهج سياسات قائمة على العدل واحترام الشعوب لمنع تفاقم الأمور ووصولها إلى ما لا نريده لمزيد من الاستقرار؟ دعواتنا إلى ذلك ودعواتنا إلى عالم يحفه الأمن ويسوده الاستقرار وتلفه الطمأنينة.