المصريون من أكثر الشعوب العربية عاطفة وأكثرهم عزيمة وإصرارا على تحقيق الهدف، وأهم ما يميز المصري حبه لوطنه ولبلده وأقصد بالبلد القرية أو المركز. وهو شعب بسيط ويرضى بالقليل ليعيش سعيداً. خرج منه العلماء والأدباء والشعراء والفنانون والاقتصاديون والسياسيون والقادة العسكريون والإعلاميون والكتاب، خدم بعضهم خارج وطنهم وأبدعوا أحسن من إبداعهم داخل وطنهم. أسهموا في التنمية التعليمية لدول الخليج عند بداية إنشاء المدارس والمعاهد والكليات والجامعات، وأسهموا في البناء ابتداء من عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي مروراً بمشاريع التنمية الأخرى. عملوا على فتح مدارسهم وجامعاتهم للطلبة العرب ومنهم الخليجون فتخرج الأطباء والمهندسون والاقتصاديون الخليجيون، وأصبحوا فيما بعد وزراء وكبار مسؤولين، فكانت وما زالت مصر حاضنة للعلم وللأدب والثقافة والاقتصاد. دخلنا المدارس فوجدنا المعلم المصري أستاذا نتعلم منه، ودخلنا الجامعة فوجدنا عمالقة الإدارة والاقتصاد والعلوم والطب والهندسة من الدكاترة المصريين قدموا ليقدموا علماً نافعاً وبقلب صادق ومحبة حقيقية لشعب وقيادة المملكة العربية السعودية، وذهبنا لنكمل دراستنا العليا في الولايات المتحدة وأوروبا فوجدنا بعض العلماء من الدكاترة المصريين في الجامعات درسنا على أيديهم في أكبر الجامعات العالمية.
لقد لمسنا في الماضي وما زلنا نشعر بمحبة هذا الشعب للمملكة شعباً وقيادة، فمصر التي ضحت بأعز شبابها وبأغلى دم من رجالها في الجيش المصري لتدافع عن العرب والأرض العربية في فلسطين المحتلة وفي الكويت أيام غزو الكويت، هي مصر اليوم التي تحرص عليها دول الخليج وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية لأن تقف سنداً قوياً داعماً لاقتصاد مصر، الذي يخدم قرابة المئة مليون مصري ويستقطب أكثر من سبعة وعشرين بليون دولار استثمارات سعودية ويحتضن حوالي سبعمئة ألف سعودي مقيمين أو شبه مقيمين في مصر.
إن مقولة الملك عبدالعزيز المؤسس للمملكة العربية السعودية ما زالت طريقاً ومنهجاً لأبنائه الملوك عندما قال (قوة المملكة من قوة مصر) وإذا كانت دول الخليج والمملكة لا تنسى دور مصر الريادي والقيادي في التاريخ القديم فإن مصر وشعبها لن ينسوا وقفات الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين مع اقتصاد مصر مؤخراً. وقد يعتقد البعض أنها معونات مالية للحكومة المصرية وهو اعتقاد خاطئ، وإن كان جميع المعونات المالية والعينية بوابتها الرسمية الحكومة المصرية لكنها في الحقيقة تنعكس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الشعب المصري. وإن الشعب المصري المثقف وأنصاف المثقفين وحتى غير المثقفين يحملون مشاعر حب عميق ويرسلون من خلال مشاعرهم رسائل شكر وتقدير للقيادة السعودية على مواقفها. لقد لامست ذلك شخصياً في الأسبوع الماضي عندما كنت أناقش إحدى رسائل الدكتوراه في القاهرة وامتلأت القاعة بالحضور وبدأت الطالبة تقديم ملخص رسالتها بتقديم الشكر والتقدير لقيادة المملكة وشعبها على دعم مصر وشعبها، فضجت القاعة بالتصفيق وفاء وتقديراً للمملكة. ولامست هذه المشاعر في الشارع المصري عند الكبير والصغير حتى الرجل البسيط. نعم إنه حب شعب مصر لشعب المملكة وقيادتها، إن مواقف قيادة المملكة الداعمة والمساندة للشعوب والدول العربية والإسلامية تجعلنا دائماً مرفوعي الرأس ليس غروراً وإنما اعتزازا بما تقوم به قيادة بلادنا. وقد يرى البعض أن بلادنا أولى بهذه التبرعات فأنا لا اعتراض لي على التبرعات للفقراء في المملكة ولكن يضاف لها دعم ومساندة بقية الشعوب الإسلامية فالخير يعم. ولقد عمنا خير مصر وغيرها من بعض الدول الإسلامية عندما لم يكن هناك بترول في بلادنا وقبل الحكم السعودي كان الحرمان المكي والنبوي ينعمان ببعض خيرات المحمل المصري (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
فشكراً لمواقف القيادة السعودية مع الشعب المصري ولن تُنسى لهم هذه الوقفات وكم أنا فخور بهذه المواقف وكذلك الشعب المصري الذي لا تقام مناسبة إلا ومشاعر الحب والتقدير للمملكة تسبق المناسبة؛ متمنياً استمرار هذا الدعم والمساندة لمصر واقتصادها.
وإذا جاز لي الاقتراح كأحد وسائل الدعم للشعب المصري فإنني أتمنى على الحكومة السعودية تأجيل قرارات السعودة بالنسبة للعمالة المصرية لمدة عامين أو أكثر حتى يتعافى الاقتصاد المصري وأن عودة الآلاف من العمالة المصرية إلى مصر سيؤثر على الاقتصاد المصري، وسيكون عبئاً ثقيلاً عليهم وعلى فرص العمل المتاحة لا سيما أن إيرادات العمالة المصرية في الخارج تسهم إسهاما كبيرا في الاقتصاد المصري في الاحتياطي من العملة الصعبة.
إن تفاؤلي الكبير بعودة مصر قوية ومتماسكة قيادة وشبعاً بجميع فئاته ودياناته ونزاهته يدفعني اليوم لأطمئن زملائي المستثمرين، فإن هناك فرصا استثمارية قادمة وجاذبة وإن هناك جهودا صادقة لمعالجة أخطاء الماضي وضمان الاستثمارات الحالية والقادمة. وأود أن أذكر زملائي بأن الأزمات تخلق بعدها فرصا استثمارية نادرة ومتميزة، وأكبر مثال (النمور الآسيوية) التي خلقت بعد الأزمة المالية التي ألمت بها فرصاً استثمارية أظهرت أثرياء جددا يتحكمون في اقتصادها اليوم.