قبل 62 عاما احتشدت الجماهير في لندن للقاء نجم الكوميديا "تشارلي تشابلن".. كانوا تواقين للقائه بعد غيابه في أميركا لسنوات، إلا أنه لم يضحكهم في ذلك المساء الحزين، بل أبكاهم جميعا.
كانت دموع "تشابلن" تتهادى على وجهه، وهو يحكي قصة الظلم الذي تعرض له في أميركا، واضطراره لمغادرتها بعد أن دونت مخابراتها تقريرا من 2063 صفحة يتهم "الفنان الصامت" دون أدلة حقيقة؛ بالانتماء للشيوعية؛ إبان فترة تفشي "المكارثية".
مثلت تلك الفترة صفحة سوداء في تاريخ أميركا، حين فتحت أبواب الظلم والاستغلال، وأصبح مصطلح "المكارثية" معبرا عن الإرهاب والقمع الفكري، الذي لم يستثن عالما أو فنانا أو حتى مواطنا مسالما.
تحولت "تهمة الولاء للشيوعية" لأداة يستخدمها خصوم السياسة والفكر لإسقاط وتشويه سمعة بعضهم البعض.. إذ يكفي التلفظ بها على أحدهم ـ ودون إبراز أي دليل ـ حتى يصبح رهين إثبات البراءة وتأكيد الولاء.
تجاوز الفزع من "الشيوعية" واستغلال ملاحقة الحكومة الأميركية لها حدود العقل والمنطق.. واستعر توزيع التهم.. وأصبح كل من يعيش في أميركا مشكوكا في ولائه إلى أن يثبت العكس، حتى إن الرئيس "ترومان" شكل لجان استماع لفحص ولاء الناس والتأكد من أفكارهم وميولهم.
لماذا أتحدث عن ذلك؟.. الإجابة عن هذا السؤال متاحة لكل من يستعرض نوعية الجدال الذي تحتضنه حلبة "تويتر" المشرعة.. ومحاولة كثير من المحسوبين على الفكر استغلال الأحداث الإقليمية والدولية ـ التي أمن الوطن شرها ـ لتوزيع التصنيفات والتهم جزافا.. ومحاولة التأليب على خصومهم.. والتشكيك في وطنيتهم دون أي وجل أو خجل.
نحن بحاجة ماسة لتشريع قوانين صارمة، تلجم كل متملق يحاول إثبات وطنيته عبر التشكيك في ولاء غيره.. وإثارة التصنيفات التي تشق الصف، وتجعل من هذا المجتمع المتماسك أحزابا وجماعات متخالفة.
"المملكة" جزيرة مستقرة في محيط متلاطم.. والحفاظ على ذلك مرهون بوأد كل فتنة يحاول البعض إشعالها.. مستغلا بمكر وأنانية كل ما يخدم توجهه.