منذ فوز الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، في الانتخابات الرئاسية، ركَّزت أجهزة الإعلام الإيرانية الإقليمية والغربية على "وسطية" الرئيس الجديد الذي صنفه كثيرون على أنه "إصلاحي" مقارنة مع الرئيس السابق أحمدي نجاد. وإذا كانت الأوساط الإيرانية تتطلع بحق إلى إصلاحات داخلية سياسية واقتصادية، خاصة في مجال الحُريات وحقوق الإنسان وإطلاق سراح السجناء السياسيين، إلا أن جيران إيران والغرب يهتمون أكثر بالبرنامج النووي الإيراني وضمان عدم حصول طهران على السلاح النووي الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة. ويقول "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى": إن التقرير الأخير لـ"الوكالة الدولية للطاقة الذرية" يُظهر أن طهران واصلت بناء قدراتها النووية وقدرتها على تطوير سلاح نووي إذا رغبت في ذلك. ورغم نفي إيران امتلاك برنامج لتطوير أسلحة نووية، فإن هذا الاحتمال المتزايد بالإسراع نحو تطوير قنبلة نووية من المرجَّح أن يعقِّد الأمر أمام أية مناقشات دبلوماسية.

الأسباب الرئيسية للقلق

التقرير الذي أصدرته "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في 28 أغسطس الماضي استند في الأساس إلى عدد من الأجزاء التي تقيِّم مدى التقدم الذي أحرزته طهران في تخصيب اليورانيوم، وبناؤها مفاعلاً يمكنه أن ينتج البلوتونيوم، ودرجة تعاونها (أو عدمه) في شرح "الأبعاد العسكرية المحتملة" لبرنامجها النووي.

تخصيب اليورانيوم: تواصل إيران تخصيب اليورانيوم وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي المركَّبة بما في ذلك ما يقرب من 18 ألف جهاز طرد مركزي من نوع IR-1)) و1000 جهاز طرد مركزي من نوع (IR-2m) الأكثر كفاءة وفعالية. إلا أنها لن تحتاج في المستقبل المنظور لأكثر من جزء بسيط من اليورانيوم المخصَّب الذي سبق وقد أنتجته، ناهيك عن القيام بعمليات تخصيب جديدة لإنتاج يورانيوم إضافي. ويذكر أن مفاعلها الوحيد للطاقة النووية يستخدم وقوداً منخفض التخصيب تقوم روسيا بإمداده لها. وتصر طهران على الادعاء بأنها تحتاج بعض اليورانيوم الجديد المخصب الذي تنتجه لتزويد إحدى المفاعلات البحثية الكائنة في العاصمة بالوقود، رغم رفضها عرضاً دولياً سابقاً بتزويدها مثل هذا الوقود.

ومما يبعث على القلق أن هذا المفاعل البحثي يتطلب يورانيوم مخصبا بنسبة 19,75%؛ وتنتج إيران حالياً يورانيوم مخصب بنسبة 20% لهذا المفاعل. وفيما يتعلق بالوقود المخصب بنسبة 20% تواصل إيران تحويل بعض اليورانيوم المخصب الذي بحوزتها إلى شكل من أشكال الأُكسيد، غير أن معظم هذا الأُكسيد ينبغي أن يُعتبر جزءاً من المخزون المخصب، لأنه من السهل نسبياً إعادة تحويله إلى مادة تغذية لأجهزة الطرد المركزي.

إن الزيادة في عدد أجهزة الطرد المركزي الإيرانية ومخزون اليورانيوم المخصَّب قد فتحت الباب أمام سيناريوهات متعددة لتجاوز العتبة النووية في محطتي نتانز وفوردو لتخصيب اليورانيوم، لا سيما إذا كانت هناك محطات أخرى غير معلن عنها. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تركَّزت المناقشات الخاصة بإمكانية تجاوز إيران للعتبة النووية على مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% الذي يتزايد بشكل مطَّرد، ولكن أصبح الآن عدد أجهزة الطرد المركزي ضخماً جداً لدرجة أن المعادلة الحسابية قد تغيَّرت: فالمخزون الحكومي الضخم من اليورانيوم المخصب بنسبة 3,5% هو الآن أحد الأجزاء المهمة في هذه المعادلة الحسابية. لذا فإن أي مقترح دبلوماسي جرى طرحه في الماضي - والذي يطالب إيران بالحد من تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% وشحن معظم تلك المواد المخصبة إلى الخارج - هو الآن أقل أهمية بكثير من ناحية الحد من خطر تجاوز إيران للعتبة النووية.

مفاعل المياه الثقيلة في آراك: سيستخدم هذا المفاعل البحثي قضبان الوقود غير المخصَّب، وسيتم "تخفيفه" باستخدام الماء الثقيل. إلا أن مفاعلات من هذا النوع تنتج أيضاً البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه كمادة متفجرة نووية بديلة إذا تم فصله عن الوقود المستهلك. وعلى الرغم من أن مسؤولين إيرانيين قد أخبروا "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بأن التأخيرات في البناء أجلت تاريخ بدء تشغيل المفاعل إلى ما بعد "الربع الأول من عام 2014"، إلا أنهم أشاروا بعد ذلك إلى أن المقصود من كلمة "بدء التشغيل" هو "التشغيل التجريبي باستخدام مادة نووية". وقد تعهد المسؤولون الإيرانيون أنهم سيخطرون الوكالة "قبل ستة أشهر على الأقل من أول إدخال للمادة النووية إلى المنشأة".

وحالما يتم جلب هذا الوقود النووي إلى موقع المفاعل، ستصبح المنشأة بكاملها "غير قابلة للاستهداف بالقنابل" من الناحية السياسية بسبب قرارات "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" فيما يخص الهجمات على المحطات النووية الخاضعة للضمانات: وبمجرد إدخال الوقود بحيث يصبح المفاعل من الأماكن الحساسة، فإن أي ضربات عسكرية قد تسبب حدوث انبعاثات إشعاعية ضخمة.

أبعاد عسكرية محتملة: لا تزال "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" تشعر بالإحباط فيما يتعلق بعدم التعاون الإيراني بشأن "الأنشطة الإيرانية غير المعلن عنها والتي من بينها المنظمات ذات الصلة بالمؤسسة العسكرية، بما في ذلك تطوير رؤوس نووية للصواريخ". وقد رفضت طهران هذه المخاوف التي تركِّز على منشأة "بارشين" الواقعة في ضواحي العاصمة. وقد أخبرت "بعض الدول الأعضاء" الوكالة أن إيران أجرت "تجارب هيدرودينامية" في بارشين في إشارة إلى أنها ربما تحاول إتقان نوع جهاز التفجير الداخلي اللازم لصنع قنبلة ذرية باستخدام اليورانيوم أو البلوتونيوم عالي التخصيب. وتواصل الحكومة في طهران رفض طلبات "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بزيارة الموقع كما قامت بإزالة المناطق محل القلق.

تأثير النقاشات الدائرة حول سورية

منذ أن نشرت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" تقريرها عن إيران، انشغلت واشنطن وعواصم أخرى في النقاشات حول مزاعم عن استخدام النظام السوري لأسلحة كيماوية ضد شعبه. ويذكر أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، قد قرر تأخير الرد الأميركي لكي يكون أمام الكونجرس الوقت الكافي لإجراء نقاش حول الأدلة على هذا الاستخدام؛ وستؤثر هذه المنهجية، سواء بقصد أم لا، على القضية النووية الإيرانية بشكل كبير.

دور الرئيس روحاني

منذ فوزه بمنصبه، عمل روحاني على تقييم نقاط قوته داخل هيكل السُلطة الإيرانية التي يهيمن عليها المرشد الأعلى علي خامنئي. كما أنه قام بتشكيل فريق جديد للتفاوض حول الملف النووي. ورغم أنه قد سبق وأشار علناً بأن تعليق البرنامج النووي ليس خياراً مطروحاً، إلا أن استراتيجية التفاوض الفعلية التي ستتبناها إدارته لم تتبلور حتى الآن، ولكن يمكن أن تكون تطورات الأحداث في دمشق – الحليف الأقرب لإيران - مؤشراً مهماًّ لاتجاه المفاوضات النووية مع إيران.