طغت أحداث العنف والتفجيرات الانتحارية المتنقلة في العراق على تطورات الأحداث الأخرى، بعد أن تزايدت أعمال العنف الطائفية بشكل ملحوظ في بغداد والمدن الرئيسية الأخرى. جاء الصراع الطائفي الدموي نتيجة فشل الحكومة العراقية في التوصل إلى ترتيبات تشرك الطوائف العراقية الأساسية في الحُكم بشكل مرض، وخاصة العرب السُنَّة. يقول تقرير نشرته "مجموعة الأزمات الدولية" إن العرب السُنّة سرعان ما همشتهم المحاصصة العرقية ـ الطائفية التي حشرتهم في خانة الأقلية في نظام يهيمن عليه الشيعة والأكراد، ولذلك رفضوا التوزيع الجديد للحصص في البداية ومن ثم حاربوه. اليوم، مع وصول إحباطهم إلى درجة الغليان، ووصول الاستقطاب السُنِّي ـ الشيعي في المنطقة إلى مستويات غير مسبوقة ومع الارتفاع الكبير في عدد التفجيرات الناتجة عن السيارات المفخخة في سائر أنحاء البلاد منذ بداية رمضان في يوليو، فإن العودة إلى حرب أهلية مذهبية باتت تمثل خطراً جدياً.
يضيف تقرير مجموعة الأزمات أن للأزمة جذورا عميقة؛ فطوال فترة وجوده في منصبه، نفّذ رئيس الوزراء نوري المالكي إستراتيجية "فرِّق تَسُد" أدت إلى تحييد أي قيادة عربية سُنيّة ذات مصداقية.لقد حفل العام الأخير بالتطورات الأكثر ضرراً في هذا السياق؛ فمع تغذية الأحداث في سورية لآمالهم بالعودة إلى المشهد السياسي، أطلق العرب السُنّة حركة احتجاجية سلمية غير مسبوقة في أواخر عام 2012 رداً على اعتقال الحراس الشخصيين لرافع العيساوي، العضو البارز في العراقية. لكنها أخفقت في توفير معالجات للمظالم المتراكمة. فبدلاً من ذلك، فإن المظاهرات وعمليات القمع التي أعقبتها فاقمت من الشعور بالإقصاء والاضطهاد.
اختارت الحكومة في البداية رداً تقنياً يفتقر إلى الجاذبية، وذلك بتشكيلها لجاناً لمعالجة مطالب المحتجين بشكل أحادي، ورفضت المفاوضات المباشرة وشددت الإجراءات الأمنية في المناطق التي يقطنها السُنّة. فاقمت التنازلات المتأخرة والمترددة من انعدام الثقة وعززت من قوة الفصائل الأكثر راديكالية. بعد مأزق استمر أربعة أشهر، تصاعدت الأزمة. في 23 أبريل الماضي، حيث داهمت قوات الحكومة مخيّماً للمحتجين في مدينة الحويجة، في محافظة كركوك، فقتلت أكثر من 50 وجرحت 110 أشخاص. أدى ذلك إلى موجة عنف فاقت في حدّتها أي شيء شهدته البلاد خلال السنوات الخمس الماضية. أعادت الهجمات ضد قوات الأمن والمدنيين إحياء المخاوف من العودة إلى حرب أهلية شاملة. عادت الدولة الإسلامية في العراق، التي تمثّل التعبير المحلي عن القاعدة، إلى أنشطتها المسلّحة. وقد ردت الميليشيات الشيعية بشن هجمات على السُنّة. من المرجّح أن يؤدي اعتزام الحكومة معالجة قضية سياسية بشكل رئيسي، وهي تمثيل العرب السُنّة في حكومة بغداد، من خلال إجراءات أمنية أكثر تشدّداً إلى تفاقم الوضع.
غياب قيادة سُنيّة موحّدة ـ وهو أمر أسهمت فيه سياسات بغداد، وقد يكون المالكي اعتبره ميزة ـ تحوّل إلى عبء خطير. في المواجهة التي باتت تكتسب صبغة مذهبية على نحو متزايد، فإن أنصار الحراك يتطلعون غرباً إلى سورية بوصفها الحلبة التي يمكن أن يشنوا المعركة فيها على الحكومة العراقية وحلفائها الشيعة، وشرقاً إلى إيران، بوصفها مصدراً لكل مصائبهم.
نظراً لتعرّضهم لضغوط مكثّفة من القوات الحكومية وتراجع إيمانهم بالحل السياسي، فإن العديد من العرب السُنّة استنتجوا أن خيارهم الواقعي الوحيد يتمثل في صراع عنيف يتخذ على نحو متزايد صبغة مذهبية. بالمقابل، فإن الحكومة تجد في ذلك فرصة مناسبة لوضع كل المعارضة في خانة المجموعات الطائفية المسلحة التي تتطلب مواجهتها إجراءات أمنية أكثر تشدداً. وفي غياب تحولٍ دراماتيكي في المقاربة، ثمة مخاطرة في انهيار الدولة الهشة في العراق ووقوعها ضحية لمزيج انفجاري يتكون من عيوبها القديمة والمعروفة والتوترات الإقليمية المتنامية.
وقد وضع التقرير التوصيات التالية:
أ)لوقف تصاعد العنف على المدى القصير
إلى حكومة العراق والمجالس المحلية في الأنبار، ونينوى، وصلاح الدين، وديالى:
1-التفاوض على عمليات وقف إطلاق نار محليّة تشتمل على ضبط النفس من قبل قوات الحكومة والتعاون من قبل السلطات المحلية.
2-السعي لتأسيس هيكليات مشتركة للقيادة والتنسيق يشارك فيها الجيش الاتحادي والقوات المحلية (وحدات الشرطة والصحوات)، بهدف جعل الصراع ضد الدولة الإسلامية في العراق التابعة للقاعدة أولوية، وضمان عدم عبور أي مقاتلين عراقيين، سواء كانوا سُنَّة أو شيعة، إلى سورية.
3-إجراء عمليات تحقيق مشتركة في عمليات القتل في الفلوجة، والموصل والحويجة.
ب) لمعالجة القضايا الأبعد مدى التي تساهم في عدم استقرار البلاد
إلى حكومة العراق:
1-تخفيف حدة التوترات المذهبية من خلال، تخفيف الإجراءات الأمنية، بشكل أحادي أو في سياق عمليات وقف إطلاق النار التي يتم التفاوض عليها، مثل نشر وحدات الأسلحة والتكتيكات الخاصة وعمليات التفتيش الأمني المزعجة، وكذلك على القيود المفروضة على حرية الحركة والوصول إلى المواقع الدينية، إلى أبعد حد ممكن. كذلك يجب تقديم مزايا وفرص متساوية للقبائل الشمالية والجنوبية؛ وإطلاق حوار وطني للاتفاق على إصلاح قانون المساءلة والعدالة ووضع آلية للإشراف والاستئناف أمام هيئة المساءلة والعدالة، وفي الوقت نفسه وضع قيود زمنية لأنشطتها. كذلك يجب توضيح دور ومسؤوليات وزراء الدفاع والداخلية والعدل في الإجراءات المتعلقة باحتجاز واعتقال ومحاكمة الأفراد الذين يتم اعتقالهم تطبيقاً لقانون مكافحة الإرهاب.
2- الإحجام عن إطلاق تصريحات مذهبية تحريضية، وفي الوقت نفسه تنفيذ مبادرات تهدف إلى المصالحة الوطنية.
3- السعي إلى عزل العراق عن الصراع في سورية من خلال الامتناع عن إطلاق أي تصريح يلمِّح إلى دعم العراق لأي طرف في الصراع؛ ومنع المقاتلين، سواء كانوا سُنّة أو شيعة من العبور إلى سورية، خصوصاً من خلال التعاون مع اللاعبين المحليين في الأنبار ونينوى (القبائل والمسؤولين المحليين)؛ وقوات الأمن المعيّنة محلياً وحكومة إقليم كردستان.
إلى الزعماء السُنّة المحليّين والوطنيين:
1-الامتناع عن التحريض على الصراع المسلح أو الدعوة إلى تأسيس إقليم فيدرالي سُنّي.
إلى قادة الصحوات:
1.إعادة تأسيس قوة صحوة واحدة تحت قيادة موحّدة يمكنها تقديم مجموعة واضحة من المطالب للحكومة.
2.التعاون مع قوات الحكومة الاتحادية، سواء في تأمين المحافظات ضد الدولة الإسلامية في العراق أو تأمين الحدود مع سورية.
إلى الوقف السُنِّي، وجمعيات رجال الدين البارزين:
1-التفاوض مع الحكومة المركزية على مطالب محددة (وجود قوات الأمن؛ ورواتب رجال الدين، وتمويل المدارس الدينية)، والإدانة العلنية للعنف والامتناع عن الدعوات لتأسيس إقليم سُنّي.