صدر قبل عدة أيام أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز القاضي بمعاقبة كل من يشارك في أعمال قتالية خارج المملكة، والانتماء للتيارات أو الجماعات- وما في حكمها - الدينية أو الفكرية المتطرفة أو المصنفة كمنظمات إرهابية داخلياً أو إقليمياً أو دولياً، أو تأييدها أو تبني فكرها أو منهجها بأي صورة كانت، أو الإفصاح عن التعاطف معها بأي وسيلة كانت، أو تقديم أي من أشكال الدعم المادي أو المعنوي لها، أو التحريض على شيء من ذلك أو التشجيع عليه أو الترويج له بالقول أو الكتابة بأي طريقة.

وهذا الأمر الملكي من شأنه محاصرة الفرص المستقبلية للتطرف والإرهاب حالياً ومستقبلاً، فالمنطقة العربية اليوم تمرُّ بظروف عصيبة ومتداخلة، ومن المهم وضع منطلقات للعمل لحصر التطرف والإرهاب في زاوية ضيقة بعد أن أصبحا-مع شديد الأسف- استثماراً للجماعات المتطرفة والمصالح السياسية والخاسر فيها أولاً وأخيراً هو الإنسان، فـ"الإرهاب" يتجلى في أعمال عنف تنعكس دماراً على الإنسان السعودي، وينتج لوجود بيئة اجتماعية متطرفة تغذيه فكرياً عبر التحريض والشحن العاطفي والفكري.

وانطلاقاً من هذه الخطوة المهمة يمكننا أن نعيد فيها النظر في الكثير من القضايا، ولا سيما أننا مررنا بتجربة مهمة استفدنا منها وهي "الحرب الأفغانية"، حيث كان المكوّن الاجتماعي حينها بسيطاً وتأثير الفكر الديني فيه غالباً على المجتمع، ومن هذا المنطلق نجد أنه من الضروري تطوير تكوين الإنسان السعودي في ظل المتغيرات الحضارية من حوله، إذ إن المجتمع لم يعد معزولاً عن مصادر المعرفة وقراءة التاريخ والتفكير في مدى الإفادة من التجارب السابقة، فطريقة التفكير المتشددة هي مرتكز الفكر المتشدد المنتج للإرهاب، الذي يبدو كحاضن له ليستمر في إنتاج أفراد المجتمع كإرهابيين في ظل وجود فكر داعم ومحرّض، وهذا يجعل التشدد صورة نمطية في مجتمعنا، ووجود من يحاول دفع العجلة بالتأصيل لهذا التشدد، لمصالح اجتماعية وسياسية.

إن هذا الأمر الملكي المتعلق بالتطرف والإرهاب ومعاقبة مقاتلي الخارج فيه إدراك للمطامح السياسية ومحاولات الاستقطاب وشحن المجتمع عن طريق قضايا بعيدة ومتعددة، بل كأن الحرص على أحوال المسلمين في الخارج أهم من الداخل، وهذا فيه خلط للعامل الديني بالسياسي، فالإرهاب عنف سياسي بمبررات دينية، وزعامات الإرهاب لا تخفي طموحاتها واستعدادها لخوض صراعات مريرة على مصالح سياسية، تسهم في استمرار خطر "الإرهاب"، ولذلك من المهم أن نلتفت إلى دعم تجديد الخطاب الديني، ودعم وعي الإنسان بذاته وبالعالم من حوله.

لذا يجب أن يستوعب المتشدد أنه ينخرط فعلياً في مشروع مظلم هو "الإرهاب" عن طريق فكره المتزمت الذي به استغلاله من قبل الجماعات المتطرفة ليكون أداة، بل عضواً مدمراً، ليس في المجتمع المحلي فحسب بل في المجتمع الإنساني ككل؛ وهنا يمكن أن نعد انتماء أبناء الوطن لجماعات متطرفة دينياً أو فكرياً وخروجهم للقتال في قضايا شائكة الأفكار والاتجاهات هي كارثة حقيقية؛ صدر الأمر الملكي ليعالجها، وبهذه الخطوة يتسنى لنا أن نواجه الكارثة وفق ضوابط للتغلب عليها.

وما لم تطرح حلول وعلاج الفكر المتطرف فقد يتحول الأمر بالنسبة لنا إلى أزمة، أما إذا ما استمرت ضبابية القضية دون مكاشفة ومصارحة، فإن الفكر الذي يعمل كحاضن للإرهاب سوف يستمر في إنتاج إرهابيين جدد.

ما يزال التشدد الديني صفة كامنة وغالبة على كثير من الناس في مجتمعنا، وهذا ما أوجد للإرهاب، ذي المنطلقات الإسلامية، أرضاً خصبة ينمو بها.

لكن ما يبعث على التأمل هو قدرة الإرهاب على إعادة إنتاج نفسه، وهنا من الضرورة وضع قيود على هذا الأمر، حتى لا يستطيع النهوض من جديد، ولا سيما أن الشباب المتحمسين من المغرر بهم من أبنائنا-وأسرهم- هم من يدفع الثمن الباهظ، بعد أن تستغل عقولهم في التدمير لا البناء.