الحديث عن الكتابة "ليس بمعناها الآلي في رسم الحروف" وإنما بمعنى إعادة التشكيل والإنتاج بحسب ما يتوافر لدى منتج النص ومبدعه الأصيل من مقومات تلك الصنعة الجمالية، حديث يقودنا إلى التساؤل عن طبيعة النصوص الأدبية التي تعمل/ يعمل منتجوها على ترك مناطق غير مضاءة، ومساحات ليست مملوءة من أجل قارئ جاد نشط، يجد تلكم المتعة في البحث عن غير المكتوب في الخطاب، وغير المفصح عنه في النص، نحن إذن أمام حالة من حالات "المكر" والمخاتلة والدهاء، وفي رأيي أنه بدون هذا المنطلق الذي يتأسس عليه النص الأدبي الإبداعي تخفت أجواء المتعة باعتبار المتعة شرطا أساسا من شروط لذة التلقي والتورط في المنتج الإبداعي المتيحة إلى تيسير الدروب أمام القارئ ليعيش سطوة اللغة، ويتوشح بالجمالية في طريقه إلى إعادة التشكيل والصياغة بحسب أدواته ومقومات بيئته.
وهل للبيئة المحيطة والأحداث المتسارعة دور في هذا؟ نعم فإذا سلمنا أن تلقي النص الأدبي يعتمد بشكل لافت على ما تمدنا به المؤثرات المحيطة من أدوات وفرص لسبر أغواره والبحث عن المكنون الماتع، فإن ذلك يصدق على الكتابة وصبغتها" الماكرة" الممانعة لأي قارئ كسول أن يفتح مغاليقها، فتبقى طبيعة النص بعده ـ أي القارئ الكسول ـ على بكوريتها وعذريتها، ليعود حزينا حسيرا، وحقيقة الأمر أن نصا ـ أي نص بشري ـ أنتج قبل قرون على سبيل المثال ثم قرئ الآن، لابد أن تتحول مرتكزات قراءاته على نحو مختلف لما كانت عليه القراءة في حينه، وذلك لأن القراءة ـ مهما كان ثبات النص بحكم سطوة لغته ـ ستكون خاضعة لسلطة أخرى تتمثل فيما أحاط ويحيط بالقارئ في معاشه وعلاقاته بمن حوله وبالعالم، وحين يدرك منتج النص الأدبي هذا فيكتب نصه من درجة الصفر"كما عنون بارت كتابه" جاعلا في حسبانه أن القارئ يتطور بتطور مستويات التلقي، فإنه سيعمد إلى المزيد من النصوص الماكرة المتلونة القريبة وغير المتاحة في الوقت ذاته، ليستجلب شروط الإمتاع والتأثير على قارئ محبّ للتورط والانغماس في المتاهة بحثا عن نشوة طالما قلّب مئات الصفحات ليصل إليها، ويعلن انقياد النص له واستسلامه بين يديه وانكشاف مكره وتلاشي ممانعته. إن من شروط المبدع أن يتموضع داخل نصه عبر استخدامه للغة وفق تشكيل شخصي وخاص من شأنه أن يوجد فعلا متضافرا مفعما بالإيحاءات.