إذا صرفنا النظر عما يجب أن يقتضيه "الزواج" بصفته في الأصل علاقة إنسانية، فقد يكون في المقابل وسيلة لتحقيق أهداف ومصالح مادية، وبعبارة صريحة، قد تعده الفتاة محطة عبور للوصول إلى النجاح أو البحث عن معيشة واستقرار أفضل من العيش مع عائلتها، أي أنها تضطر لأن تبني علاقة زواج مفرغة من القيم، وهذا ما وصل به الحال عند بعض الفتيات في مجتمعنا، مما يجعله محل استغلال عند بعض الشباب أيضا، ولعل هدف الابتعاث وإكمال الدراسة هو الهدف الأبرز للفتيات، إذا كان العرض المغري على طريقة "مطلوب محرم، محفول مكفول" في حين إن هذا العرض بمثابة الصفقة التجارية، يحقق من خلالها الطرفان مكاسب شخصية، ولا يقتضي الأمر تحمل المسؤولية لأي منهما نحو الآخر، بل إن بعض الفتيات تتعهد بتحمل مصاريف "المحرم" حتى إكمال الدراسة، فهل أصبح طريق المرأة لسعيها في النجاح شاقاً الى هذا الحد؟

التعسف والتحيز ضد المرأة، يجعلنا نلاحظ أن الرجال في بعض البيوت حاصلون على أعلى الشهادات وهذا ما لا يترتب على حظ النساء، فالحل لدى الراغبات منهن في البحث عن طريقة مشروعة تحت عين الأنظمة والمجتمع، والباحث في مواقع التعارف عن هذه الظاهرة، يجد البعض من الشباب يروج عن نفسه لأجل الزواج بامرأة من هذا النوع، وأعني "الزواج على ورق" بمقابل مبلغ مادي على طريقة "من يزيد"، وعلى الوجه الآخر والأكثر لفتاً، أن الكثير من الفتيات في مواقع التواصل الاجتماعي يطلبن الزواج لغرض حاجتهن المُلحة لتحقيق أهداف الحياة الضرورية التي من أهمها الدراسة.

ندرك أن العبء تكاثر على السيد "المحرم"، إذ تراكمت عليه ابتلاءات الحياة الاجتماعية والنظم التي بنت لديه قناعة بهذا النمط الذي يراه طبيعيا ومفترضا، وبذلك حملته فوق ما لا يطيق، ولا يدري أحيانا أين يضع يده، فإن قام بما يمكنه القيام به مرة، فقد يتأفف مرات، وقد يرفض مرارا وتكرارا، وبالتالي يلزمه تصنيف احتياجاتها على أنها ضرورية أو غير ذلك، فيما حياة المرأة وأحلامها تندثر وتضيع، والأكثر مرارة من هذا هو شعور المرأة بأنها عبء متداول يتقاذف الذكور هم حمله من بيت الوالد والإخوة إلى بيت الزوج.

الواقع الذي يحصل أن التعسف النظامي أجبر النساء على البحث عن وسيلة تحقق لهن النجاح، حتى ولو كانت مقبولة نظامياً، إلا أنها ـ في الأصل ـ تعد التفافاً على الأنظمة والقوانين التي خنقت حياتهن، وغيبت الإنسانية تحت طائل الأعراف والتقاليد، الأمر الذي يحول دون دورها في التطور الحضاري والإنساني الذي يفترض أن يتغير المجتمع بناء عليه، لأنه ليس من الممكن أن نخلق مجتمعات إنسانية كريمة، إذا بُنيت أساساتها على هذا النمط السيء من التفكير.