قبل فترة كنا على موعد مع ملتقى قراءة النص العاشر الذي يقيمه سنويا نادي جدة الأدبي والموجه بشكل خاص إلى المشتغلين بالأدب من نقاد وباحثين وكتاب وأكاديميين ومبدعين، مما يرسخ للهوية الأدبية لهذا الكيان الذي تعالت بعض الأصوات في الآونة الأخيرة لطمسه من الوجود هو وبقية الأندية الأدبية بغية التأسيس للمراكز الثقافية، وهي كلمة أريد بها باطل لأن المراكز الثقافية المزمع إنشاؤها ستكون الوعاء الذي ستصب فيه الأنديه الأدبية عصارة إنتاجها الفكري والأدبي الذي يشكل المادة الرئيسية والخامة الأولية لجميع المناشط والفعاليات الأدبية الإبداعية من مسرحيات وأمسيات قصصية وشعرية ومحاضرات وندوات وأفلام ومعامل للكتابة والفن التشكيلي وورش لإخراج النصوص وتحويلها إلى مسرحيات وسيناريوهات درامية. ولا يمكن للمراكز الثقافية أن تلغي الأندية الأدبية لأنها ستكون حينئذ مجرد مبان وحجرات وقاعات خاوية على عروشها. والعبرة هنا ليست بالمسميات ولكن بالفعل الراسخ للمنتج الأدبي في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع ودوره التنويري في إحداث التغيير من خلال اتصاله بالقراء والجماهير. فالأندية الأدبية هي ، كما يفترض بها أن تكون، هي سحارة الكتاب، وجدارية الكتاب(بتشديد التاء)؛ وهي معقل الأدباء وثكنة إبداعاتهم، والحكم على أعمالهم من خلال الندوات النقدية التي تقيمها، والدراسات التي تنشرها في دورياتها ومطبوعاتها. ما حدث في نادي جدة الأدبي خلال الأيام البيض من شهر ربيع الآخر يستدعي ملحمة التأسيس وقصة البدء وإن اختلفت أو خلت من أوار الأسطرة والتهويل. والريادة وإن توارت مظاهرها حينا من الدهر، تظل مغروسة في ذاكرة السنين، وتأبى غرساتها إلا أن تورق في موعدها كما تعهدها زارعها منذ أن نثر بذورها، حتى إذا ضربت بجذورها باطن الأرض، توارى ليعهد بها إلى أصلها الثابت، ويودعها لمن يرعى فروعها الباسقة في السماء. وقد كان الرائد عبدالفتاح أبو مدين هو المؤسس الحقيقي لقراءة النص. وجاء الملتقى هذا العام مختلفا لأنه قد مر على هذا الملتقى منذ بدايته عشر سنوات، ووجدتني وأنا أفتتح أولى مداخلاتي، وفي قمة انتشائي وفخري أهنئ الجميع باليوبيل" الزمردي!" كما أطلقت عليه، لملتقى قراءة النص.