لا نحتاج إلى السفير الأميركي السابق "فريد هوف" ليبلغنا بأن مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، أجمعوا خلال لقاء معه في جلسات معروفة باسم "المسار الثاني" على أن: "العدو الحقيقي لإيران هو السعودية".
فعلى عكس أميركا وتركيا، تعلم المملكة تماما أهداف الشيطان الأكبر في عولمة الإرهاب منذ 1981، الذي بدأ بزعزعة الأمن في السعودية والكويت والإمارات واليمن، وصولا إلى محاولة اغتيال السفير السعودي لدى واشنطن، وانتهاء بالتدخل السافر في شؤون العالم العربي بعصابات إيران الإرهابية لزيادة الفتنة والاقتتال بين فئات مجتمعه.
ولكن الملفت للانتباه حقا تزامن هذا التصريح الإيراني المخجل مع ما نقلته صحيفة "تقويم" التركية في الأسبوع الماضي عن أحد القادة العسكريين الأتراك، الذي طالب بتوجيه ضربة عسكرية لدولة الإمارات في حال التأكد من تورطها في عملية ضرب الاقتصاد التركي. وزعمت الصحيفة أنه: "بعد أزمة الفساد المالي التي هزت تركيا كشفت المخابرات التركية عن دور محوري لدولة الإمارات وتورطها في اندلاع هذه الأزمة في محاولة للإطاحة بحكومة إردوغان وتدمير الاقتصاد التركي".
وأضافت الصحيفة أن: "أجهزة أمنية تركية ستصدر خلال أيام بيانات تفصيلية حول حجم الدعم الإماراتي لجهات تركية لشن حملة تستهدف حكومة إردوغان وضرب الاقتصاد التركي"، مشيرة إلى اجتماعات على مستويات عليا تعقد في أنقرة حاليا؛ للبحث عن رد مناسب على ما وصفته بالتدخل الإماراتي في الشأن التركي.
بمفهوم الشيطان الأكبر، تبدأ العولمة بإشعال الفتن في مختلف الدول. ففي الوقت الذي كان "إردوغان" التركي السني يوقع في إيران على ثلاث وثائق تعاون استراتيجي مع "روحاني" الإيراني الشيعي، كانت الطائرات التركية "ف16" المصنوعة في أميركا تشن غاراتها على فلول "داعش" السنية في العراق وسورية. وفي الوقت الذي جاءت زيارة "إردوغان" لدرء سلسلة فضائح الرشاوى التي لحقت بحكومته في الآونة الأخيرة، وشملت غسيل الأموال بقيمة 120 مليار دولار أميركي ومبيعات محظورة من الذهب فاقت 80 مليار دولار أميركي، كان الشيطان الأكبر وراء معظم هذه الرشاوى، وبؤرة يانعة لإفساد حكومة "إردوغان"، مما أدى إلى استقالة 4 من وزرائه وطرد 100 قاض من قضاته، ورفع أسعار الفائدة في مصارفه المركزية من 7% إلى 12% لوقف التدهور المستمر لعملته.
لم يكن لدى "إردوغان" من مخرج لأزماته المتتالية سوى زيارة الشيطان الأكبر في إيران. في يوم الأربعاء الماضي أعلن "إردوغان" أن زيارة "وطنه الثاني" تهدف إلى زيادة وتيرة التبادل التجاري بين البلدين من 21 مليار دولار في عام 2013 إلى 30 مليار دولار في عام 2015. تصريح "إردوغان" أتى خلال مراسم التوقيع على 3 وثائق تعاون بين تركيا وإيران، شملت اتفاقية تأسيس "المجلس الأعلي للتعاون السياسي"، الذي سينعقد بالتناوب سنويا في طهران وأنقرة، ويضم وزراء الشؤون الاقتصادية والسياسية والثقافية في كلا البلدين، واتفاقية التعاون التجاري التفضيلي، الذي ينص على تقليص الرسوم الجمركية على 220 سلعة صناعية تركية و85 منتجا زراعيا إيرانيا، إضافة إلى اتفاقية استيراد الغاز الإيراني.
لعل "إردوغان" يعلم أن هذه الزيارة لن تكون في صالح تركيا، بل هي بمثابة إنقاذ للاقتصاد الإيراني المتآكل بسبب العقوبات الدولية، التي أدت إلى تراجعه للمرتبة 29 في العالم، والمركز الثالث في الشرق الأوسط، بناتج محلي إجمالي لا تزيد قيمته عن 338 مليار دولار. فبينما يعتمد الاقتصاد الإيراني بنسبة 79% على تصدير النفط والغاز ـ إذ تمتلك إيران 10% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم و15% من احتياطيات الغاز ـ فإن إيران لا تنتج سوى 4 ملايين برميل يوميا، يُصَدَّرُ نصفها للخارج ويذهب نصفها الآخر للاستهلاك المحلي. كما أن احتياطيات إيران من الغاز، التي تقدر بنحو 30 ترليون متر مكعب، يتم تصدير معظمها إلى تركيا عبر خط أنابيب يصل بين "تبريز" و"أنقرة".
ولعل "إردوغان" يعلم أيضا أن صادرات إيران التي لا تزيد قيمتها عن 89 مليار دولار في العام الماضي، ما زالت تعتمد على تصدير النفط والبتروكيماويات بنسبة 81%، لتكون الصين من أهم المستوردين لها بنسبة 16%، تليها اليابان بنسبة 14% ثم كوريا الجنوبية وتركيا بنسبة 9% لكل منهما. وكذلك الواردات الإيرانية، التي فاقت قيمتها 64 مليار دولار أميركي في العام الماضي، لتحتل دولة الإمارات المرتبة الأولى بنسبة 19%، تلتها الصين بنسبة 14% ثم تركيا وألمانيا بنسبة 9% لكل منهما.
ولا شك أن "إردوغان" يعلم أن تركيا، التي تحتل المرتبة 15 بين دول العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي بقيمة 1000 مليار دولار أميركي، فإنها أيضا الدولة الإسلامية الوحيدة التي انضمت لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية كعضو مؤسس منذ عام 1961، وشاركت في مجموعة العشرين للاقتصاديات الرئيسة منذ عام 1999، وأصبحت عضوا في الاتحاد الجمركي الأوروبي منذ 1995. فأصبحت تركيا في المرتبة 29 بين دول العالم في الصادرات بقيمة 173 مليار دولار أميركي، ومن أهم شركائها ألمانيا بنسبة 9% تليها العراق بنسبة 7%. كما تحتل تركيا المركز 22 بين دول العالم في الواردات بقيمة 230 مليار دولار أميركي، لتتفوق روسيا بحصة الأسد من هذه الواردات بنسبة 13%، تليها ألمانيا والصين بنسة 10% لكل منهما، ثم أميركا وإيطاليا واليابان بنسبة 6% لكل منهم.
على تركيا أن تحذر من تحالفها مع إيران؛ لأنه جاء عنوةً لتكريس العولمة بمفهوم الشيطان الأكبر.