أكتب هذا المقال بعد فوز النصر في القمة الكروية على كأس سمو ولي العهد بين النصر والهلال، الذي جاء في وقت احتد الصراع التنافسي بين قطبي "الوسطى" بالكرة السعودية في مسابقة بطولة دوري عبداللطيف جميل، التي ما زال النصر فيها متصدرا بفارق مريح من النقاط، وبمستوى يؤهله للمرة الأولى منذ سنوات لتحقيق البطولة الأهم محليا.
الأجواء التي تحيط هذه المنافسة الشرسة في كلا البطولتين استطاعت أن تعيد إلى لمشهد الرياضي جوا من التعصب والتشدد المقيت؛ الذي يتماشى مع النزعة العنصرية التي تعيشها كثير من أوجه مجتمعنا للأسف الشديد، وذلك في ظل غياب ربما تام من الجهات التربوية في عملها التربوي الذي يتوازى في أهميته الجانب المعرفي والتعليمي.
فالوسم الذي ابتكره محبو الفريق الأصفر في موقع تويتر، الذي أصبح معروفا بـ"متصدر لا تكلمني"، يأتي ليبين القدر الكبير من الاعتزاز بالنفس بالشكل الذي أوصل صاحبه لأن يرفض الحديث مع غيره، لا من منطلق أنه مثلا مشغول بل بقدر ما أصبح يرى أنه لا أحد يستحق أن يتخاطب معه؛ نظرا للإنجاز الخارق الذي حققه.
في المقابل سنجد أن المنافس الهلالي الذي اعتاد أن يحقق الإنجازات ويحصد الألقاب والثناء من داخل المملكة وخارجها؛ وصل إلى مرحلة من الاحتقان ورفض الواقع الجديد لدرجة أنه أصبح يقلل من التقدم النصراوي الذي أتى مستحقا بالنظر لما قدمه ويقدمه.
المنافسة بين المتنافسين أمر صحي وملمح مهم، لكون الوطن قادرا على استيلاد مميزين جدد، وأن بقاء الحال أمر محال، وأن لكل مجتهد نصيبا، وهي أمور للأسف لم تزرع في عقل النشء، الذي طالما تعود على أن الاعتراف بتميز الغير يعد انتقاصا من شخصيته وتميزه، ولعل النظرة الدونية التي تتحكم بكثير من عقول أبنائنا ورجالنا ونسائنا تجاه بعض الجنسيات خير دليل على هذه النظرة المضطربة.
المثير للاستغراب أيضا، أن التعليم لدينا ـ ولا أقصد هنا بالضرورة مناهجه بل بعض العقليات التي تديره ـ أقنعت أجيالا بعد أجيال أن الإنجاز الذي يحققه غير المسلم ليس جديرا بالاحترام ـ وإن كان مفيدا ومميزا ـ فذاك كافر وإن وصل إلى القمر، والآخر نجس وإن صنع السيارات، والثالث وضيع وإن بنى مفاعلات نووية، وبنى لنا طرقنا ومبانينا، فهل حان الوقت لنغير عقلية متصدر لا تكلمني، ونعود إلى مربع التواضع الذي يتوافق مع قدراتنا الحقيقة؟