قبل أيام مرت الذكرى الثانية عشرة على إنشاء معتقل جوانتانامو، وقد أقامت منظمات حقوق الإنسان الغربية والدولية مهرجانات تضامنية مع المعتقلين في العشرات من المدن حول العالم، حيث نظمت أكثر من 20 جمعية ومؤسسة حقوقية حملات احتجاجية أمام البيت الأبيض لمطالبة الرئيس "باراك أوباما" بإغلاق المعتقل المشؤوم.
ومما يثير الاستغراب أن أغلب هذه الحملات الاحتجاجية جاءت من منظمات ومؤسسات حقوقية غربية، بينما نجد أن أضعف تلك الحملات، قد تمت في منطقتنا العربية والإسلامية مع أن أغلبية المعتقلين هم من أبناء هذه المنطقة، وهو أمر يدعو للغرابة!
وفي ذات الحال، نسمع على الدوام مقولة أن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان لم تفعل شيئاً، وأنها مسيسة وو...! مع أن المتابع لعمل هذه المنظمات يرى بكل وضوح أن منظمات حقوق الإنسان الدولية كان لها دور رئيس وجوهري في الضغط على الولايات المتحدة، وهي التي أقامت الدنيا ولم تقعدها حتى أصبح ملف جوانتانامو كالجمرة المحرقة تحاول القيادة الأميركية التخلص منها بسبب الإحراج الذي سببته لها، حتى إن العديد من القيادات الأميركية انضمت إلى صفوف هذه المنظمات بإغلاق المعتقل والتشكيك في جدواه والتنبيه إلى خطورة الإبقاء عليه، وقد أشار الرئيس "أوباما" في خطابه الأخير - قبل أيام - إلى أن عام 2014 يجب أن يكون عام إغلاق سجن جوانتانامو تزامنا مع إنهاء الولايات المتحدة دورها العسكري في أفغانستان.
وتبذل منظمات حقوق الإنسان الدولية جهودا كبيرة ومتنوعة، حيث تطوع أكثر من 500 من المحامين الأميركيين - من غير المسلمين- للدفاع عن معتقلي جوانتانامو مع أنهم يعلمون علم اليقين أن أغلب المعتقلين هم من الإسلاميين المتطرفين.
والمؤسف جدا أن كل هذه الجهود لم تلق أثرا كبيرا في كيفية التعاطي مع منظور حقوق الإنسان، ولنأخذ على سبيل المثال المحاولات المضنية التي بذلتها المنظمات الحقوقية للحصول على توكيلات قانونية من أهالي المعتقلين لكي يتسنى لهم تمثيلهم أمام المحاكم الأميركية، فبدلا من التعاون معهم بدأ البعض بالتشكيك في دوافع وأهداف المحامين الأجانب، بل إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، وإنما وصل إلى أن شقيق أحد المعتقلين في جوانتانامو من اليمن رفض مصافحة المحامي الأجنبي لأنه كافر، وأنه ـ بحسب فهمه المتطرف للإسلام ـ لا تجوز مصافحته، هكذا..! ومع ذلك فإن الالتزام الإنساني لتلك المنظمات والعاملين فيها لم يتوقف عند هذا الحد، بل استمروا في عملهم حتى حققوا نجاحات هائلة انعكس منها إطلاق سراح الكثير من المعتقلين، إذ كان عدد المحتجزين في افتتاح المعتقل في 2002 أيام الرئيس السابق "جورج بوش" 800 سجين جرى إطلاق معظمهم حتى تقلص العدد الآن إلى 155 معتقلا.
أحد الأصدقاء العرب المتطوعين والمهتمين في هذا الملف يحكي لي أنه وجد أثرا مهما قد حدث مع العديد من الذين كانوا يحملون فكرا متطرفا من الإسلاميين تجاه الآخرين، وهو أنهم من خلال التجربة العملية غيروا نظرتهم السلبية عن هذه المنظمات الحقوقية.
وهكذا فإنه على الرغم من مأساوية العمل المتمثل في إنشاء معتقل جوانتانامو، فإن الجهود الرائعة التي بذلتها ومازالت تبذلها منظمات حقوق الإنسان الدولية قد تمثل نقطة محورية يستوعب من خلالها أصحاب الفكر المتطرف أن مبادئ حقوق الإنسان وحريته وكرامته هي ملك للجميع، فيدافعون عنها وعن حرية الآخرين وكرامتهم بنفس الالتزام.