"لا يراودني أدنى شك أن إنشاء المركز وتواصل الحوار سوف يكون بإذن الله إنجازا تاريخيا يسهم في إيجاد قناة للتعبير المسئول سيكون لها أثر فعال في محاربة التعصب والغلو والتطرف" بهذه الكلمات دشن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مسيرة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عام 1424هـ لينفذ رؤيته في تعزيز الحوار وبناء أسس التآخي بين المجتمعات.

وعكف المركز منذ تأسيسه عام 1424على تحقيق أهدافه بعقد عدد من مذكرات التفاهم والشراكة مع الجهات الرسمية والأهلية والجامعات وإقامة عدد من لقاءات الحوار الوطني في محاولة لتوفير البيئة الملائمة الداعمة للحوار الوطني بين أفراد المجتمع وفئاته من الذكور والإناث بما يحقق المصلحة العامة ويحافظ على الوحدة الوطنية المبنية على العقيدة الإسلامية.

ويهدف المركز إلى تكريس الوحدة الوطنية في إطار العقيدة الإسلامية وتعميقها عن طريق الحوار الفكري الهادف، والإسهام في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطية والاعتدال داخل المملكة وخارجها من خلال الحوار البناء، ومعالجة القضايا الوطنية من اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتربوية وغيرها وطرحها من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته، وترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع ليصبح أسلوبا للحياة ومنهجا للتعامل مع مختلف القضايا، وتوسيع دور المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية، وتفعيل الحوار الوطني بالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة، وتعزيز قنوات الاتصال والحوار الفكري مع المؤسسات والأفراد في الخارج، وبلورة رؤى إستراتيجية للحوار الوطني وضمان تفعيل مخرجاته.


رؤية خادم الحرمين

وجاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن إنشاء المركز دليلا على أهميته ودوره الفعال حينما قال "لا يراودني أدنى شك أن إنشاء المركز وتواصل الحوار سوف يكون بإذن الله إنجازا تاريخيا يسهم في إيجاد قناة للتعبير المسئول سيكون لها أثر فعال في محاربة التعصب والغلو والتطرف ويوجد مناخا نقيا تنطلق منه المواقف الحكيمة والآراء المستنيرة التي ترفض الإرهاب والفكر الإرهابي. أيها الإخوة إننا في هذا الوطن الحبيب لم نحقق ما حققناه من أمن وأمان ورخاء ورفاه إلا بفضل العقيدة الإسلامية ثم بفضل تمسكنا بوحدة هذا الوطن وإيماننا بالمساواة بين أبنائه وأن أي حوار مثمر لا بد أن ينطلق من هاتين الركيزتين ويعمل على تقوية التمسك بهما، فلا حياة لنا إلا بالإسلام ولا عزة لنا إلا بوحدة الوطن ولن نقبل من أحد، كائنا من كان، أن يمس مبادئ العقيدة، كما أننا نرفض أن يسعى أحد، كائنا من كان، للعبث بالوحدة الوطنية، إن آداب الحوار يجب أن تنطلق من منهج السلف الصالح الذي يعتنقه شعب المملكة، وقد كان السلف الصالح، عليهم رضوان الله، لا يجادلون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة ويعملون بتوجيه سيدنا ونبينا محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت). كما كانوا يعتبرون سب المسلم فسوقا وقتاله كفرا، هذا هو الطريق السليم للحوار".

وأضاف خادم الحرمين في نص كلمته "إنني على ثقة أن علماء هذا الوطن ومفكريه ومثقفيه هم من يسلك هذا الطريق المستقيم وأنهم يدركون، كما أدرك، أن المملكة قيادة وشعبا لن ترضى أن تتحول حرية الحوار إلى مهاترة بذيئة أو تنابز بالألقاب أو تهجم على رموز الأمة المضيئة وعلمائنا الأفاضل. إن هذا الوطن الذي يتشرف بخدمة الحرمين الشريفين والذي تهوى إليه قلوب المسلمين من كل مكان لا يمكن أن يضم فكرا يخرج قيد شعرة عن ثوابت العقيدة الإسلامية، كما أنه لن يقبل فكرا يحرف تعاليم الإسلام ويتخذ شعارات خادعة لتبرير الأهداف الشريرة في تكفير المسلمين وإرهابهم، وأن شعبنا السعودي لا يرضى بديلا عن الوسطية المعتدلة التي ترفض الغلو والتعصب، بقدر ما ترفض الانحلال والإباحية".


نشر ثقافة الحوار

وعكف المركز على نشر ثقافة الحوار لتصبح عادة من عادات المجتمع وأسلوبا من أساليب التعامل، وذلك لعقد اتفاقيات الشراكة ومذكرات التفاهم مع مختلف مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية، والبرامج والدراسات المشتركة وإقامة دورات تدريبية في مجالات مهارات الاتصال في الحوار وكل الحقائب التدريبية التي يوفرها المركز لكل جهة رسمية أو أهلية بحسب الاختصاص ومهام كل قطاع، وتأهيل مدربين معتمدين من منسوبيهم، إضافة إلى تنظيم الندوات واللقاءات الحوارية المشتركة والشراكات العلمية والثقافية.





مذكرات تفاهم

ووقع المركز منذ إنشائه عددا من مذكرات التفاهم والشراكة مع الجهات الرسمية والأهلية، منها عقد شراكة بين المركز ووزارة التربية والتعليم لتعزيز وتنمية ثقافة الحوار، وتوقيع مذكرة تفاهم مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب لنشر ثقافة الحوار، ومذكرة تعاون ثقافي مع جامعة الإمام محمد بن سعود، ومذكرة تفاهم مع جامعة الملك عبدالعزيز، ومذكرة تفاهم ثقافي بين المركز وجامعة القصيم، ومذكرة تفاهم مع جامعة حائل، ومذكرة تفاهم ثقافي مع المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني، ومذكرة تفاهم ثقافي مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وعقد المركز أيضاً مذكرة تفاهم ثقافي بين المركز وجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وجامعة طيبة، وكلية دار الحكمة في محافظة جدة، وجمعية النهضة النسائية، وجامعة أم القرى، ووزارة الشئون الاجتماعية، إضافة إلى مذكرة تفاهم مع مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم "تطوير"، ومدينة المعرفة الاقتصادية، ووزارة العمل وجامعة شقراء.

لقاءات المركز

عقد المركز أول لقاء للحوار تضمن الخطاب الثقافي السعودي بحكم أن المجتمع السعودي متنوع ومتعدد الأقاليم، وقائم على الإرث القبلي وسعيا لبناء وحدته الوطنية تباين في المفهوم وفي الممارسة لدى كثير من الناس حول مفاهيم القبلية، والمناطقية، والتصنيفات الفكرية.

وتناول لقاء الخطاب الثقافي في مجتمعنا السعودي عدة محاور وزوايا متعددة كان أبرزها كيف يفهم الناس هذه المسائل، وما حقيقة كل منها، ما مدى تجذرها في المجتمع السعودي، ما أظهر تمثلاتها العملية في حياة الناس، ما أبرز آثارها على المجتمع في ظلال تحولاته الراهنة، ما المنهج السليم في الجمع بين الولاء الوطني، والوفاء الإيجابي للإقليم والعشيرة واستقلال الفكر، كيف نستشرف مستقبل المجتمع السعودي في هذا الشأن؟. وعقد اللقاء الوطني الأول بعنوان "الوحدة الوطنية والعلاقات والمواثيق الدولية" بالرياض، وتناول اللقاء الوطني الثاني"الغلو والاعتدال رؤية منهجية شاملة" بمكة المكرمة، فيما تحدث اللقاء الثالث عن "المرأة حقوقها وواجباتها وعلاقة التعليم" بالمدينة المنورة، وتناول اللقاء الرابع "قضايا الشباب الواقع والتطلعات" بالظهران. وجاء موضوع اللقاء الخامس "نحن والآخر .. رؤية وطنية للتعامل مع الثقافات العالمية" بأبها، فيما تناول اللقاء الوطني السادس "التعليم وسبل التطوير" بالجوف، وناقش اللقاء الوطني السابع "مجالات العمل والتوظيف حوار بين المجتمع ومؤسسات العمل" بالقصيم، وتناول الثامن "الخدمات الصحية حوار بين المجتمع والمؤسسات الصحية" بنجران، في حين جاء موضوع للقاء التاسع بعنوان "الإعلام الواقع وسبل التطوير" وجرى عقده في الطائف والدمام وأبها وحائل.

حوار الأديان

ودعا خادم الحرمين الشريفين إلى نبذ الفرقة والتطرف وسعى إلى نشر وحدة الصف الإنساني من خلال الدعوة إلى الحوار عالميا بين الأديان والمذاهب، وأكد في كلمته أمام اجتماع الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات "أن التركيز عبر التاريخ على نقاط الخلاف بين أتباع الأديان والثقافات قاد إلى التعصب، وبسبب ذلك قامت حروب مدمرة سالت فيها دماء كثيرة لم يكن لها مبرر من منطق أو فكر سليم".

وقال "إن كل مأساة يشهدها العالم اليوم ناتجة عن التخلي عن مبدأ عظيم من المبادئ التي نادت بها كل الأديان والثقافات، فمشاكل العالم كلها لا تعني سوى تنكر البشر لمبدأ العدالة"، وتابع، حفظه الله: "إن الإرهاب والإجرام أعداء الله، وأعداء كل دين وحضارة، وما كانوا ليظهروا لولا غياب مبدأ التسامح، والضياع الذي يلف حياة كثير من الشباب، كما أن المخدرات والجريمة، لم تنتشر إلا بعد انهيار روابط الأسرة التي أرادها الله عز وجل ثابتة قوية".

ودعا في ختام كلمته المتحاورين في مدريد إلى اختيار لجنة منهم تتولى مسؤولية الحوار في الأيام والأعوام القادمة، مؤكداً أن "اهتمامنا بالحوار ينطلق من ديننا وقيمنا الإسلامية، وخوفنا على العالم الإنساني وإننا سنتابع ما بدأناه, وسنمد أيدينا لكل محبي السلام والعدل والتسامح"، وذلك بحضور نحو 60 رئيس دولة وحكومة والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وغيرهم من قادة العالم.

وهدف المؤتمر إلى تحقيق السعادة والعدل والأمن والسلام ويسعى إلى تقوية سبل التفاهم والتعايش بين الأمم والشعوب كما يدعو إلى نشر ثقافة الحوار ونشر الفضيلة والحكمة ونبذ التطرف والغلو والإرهاب والاهتمام بأخلاقيات الأسرة بوصفها النواة الأولى، وبث القيم الأصيلة المشتركة بين الديانات السماوية الثلاث، وذلك امتداداً للمؤتمرات التي رعاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في العاصمة الإسبانية مدريد والمؤتمر الإسلامي العالمي للحوار في مكة المكرمة والذي كان حدثاً غير مسبوق اجتمع فيه نخبة من كل أطراف الأرض من أجل أن يضعوا أسساً حوارية للوصول إلى التفاهم المشترك.

وأوصى المؤتمر العالمي للحوار في "إعلان مدريد" بدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تأييد النتائج التي توصل إليها هذا المؤتمر والاستفادة منها في دفع الحوار بين أتباع الديانات والحضارات والثقافات من خلال عقد دورة خاصة للحوار.