إن الأحداث الجارية في منطقتنا العربية أظهرت لنا وبشكل واضح وجلي أساس بناء الدولة العربية، مما جعلنا نقف وقفة أمام التاريخ المعاصر الذي أسست عليه الدول العربية. لنرى لماذا آلت الأمور إلى كل هذا الدمار الحاصل، ومن ثم نحلل أسباب وصول الوضع النفسي للشعوب إلى كل هذا الاحتقان حتى وصل إلى مرحلة الانفجار الفوضوي المخيف؟!

هنا، نقف أمام المقارنة بين نمط الحكم لبعض الأنظمة الجمهورية التي عسكرت شعوبها، وبين نوع آخر من الحكم وهو الحكم الملكي والأميري، الذي أخذ على عاتقه بناء الأوطان وبناء الإنسان، لنرى أن جميع الحركات الثورية التي حدثت في دول محكومة بالأنظمة العسكرية كانت تلك الأنظمة قد تقلدت حكم أوطانها وكان هناك مقومات أساسية للنهضة في أوطانها من قبل استلامها للحكم، فمثلاً كانت تلك الدول قبل نشأة الحكومات العسكرية تتمتع بمستوى لا بأس به من التعليم والبناء والثقافة، بينما كانت منطقة شبه الجزيرة العربية ومنها نجد والحجاز والكويت والإمارات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة من البناء والتعليم.

وهنا، بدأت نقلة نوعية في بناء الإنسان العربي، فلو عدنا للمقارنة بين إنسان كان على مستوى من التعليم والتطور إلى إنسان آخر منخرط في نزاعات قبلية ضمن ظروف وبيئة قاسية، نجد الآن أن النتائج أصبحت عكسية، بفضل نوع الحكم وسياسته في كل البلدان العربية، فبعض الحكومات العسكرية رجعت بشعوبها إلى عهود النزاعات والاقتتال والدمار والفقر والجهل، أما الحكومات الملكية والأميرية كانت وبكل أمانة عكس ذلك، ولنأخذ مثال المملكة العربية السعودية قبل أكثر من 100 عام؛ كانت هنا أرض المملكة عبارة عن مسرح كبير للنزاعات القبلية التي تفتقر للاستقرار والتعليم والنهضة، ونأخذ مثال آخر في مصر والعراق وبلاد الشام، حيث كانت تلك البلدان تتمتع باقتصاد جيد وتعليم جيد واستقرار، نجد أن البلد الذي كانت فيه الفوضى عارمة مثل شبه الجزيرة العربية نهض بشكل كبير على جميع الأصعدة بعد توحيده على يد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - فبدأ التوطين والعمران والنهضة العلمية والتطور والأمن والعيش الكريم والتآلف.

وهنا، على الجانب الآخر في المثال الآخر بدأت الحروب والتدمير الإنساني والعمراني مما جعل المشهد متناقضاً بين بلد وشعب آخر بشكل واضح وجلي، وخير دليل على ذلك الأوضاع الآنية في كل البلدان والوضع النفسي لكل الشعوب العربية الشقيقة. لذلك نقف احتراماً إلى حكومات أصبحت مثالاً للنهضة والتطور العلمي والعملي، وجنبت شعوبها الفتن والمشاكل. كما نقف واعظين لحكومات آلت بأوضاع شعوبها إلى ما آلت إليه من دمار.

ونسأل الله أن يتم نعمة الأمن على شعوبنا العربية والإسلامية، ويعيننا على النهوض بإنسان عربي يواكب التطور العالمي الكبير.