ليس مدهشاً أن في أي نقاش يدور حول التعليم والتنمية الثقافية ليس في المملكة العربية السعودية فقط، بل وعلى المستوى العربي، أن تحضر التجربة السعودية الفريدة التي أسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، ففي حين كانت الشعوب العربية تعاني من الفقر والجهل أبدعت سياسة الملك المؤسس مشروعا نهضوياًّ لم يأخذ حقه حتى اليوم من الدراسة، وهو مشروع ابتعاث طلبة العلم الذي استكمله اليوم وأعطاه بعداً عالمياٍّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مقتدياً بذلك خطى والده الراحل.

ففي الوقت الذي كانت تعاني فيه الدولة السعودية عند تأسيسها من ندرة الموارد المادية أمر الملك عبدالعزيز في عام 1355 هـ بتأسيس مدرسة ثانوية تعد خريجيها للابتعاث لتلقي العلم في الخارج، وبذلك تكون المملكة أول دولة عربية تبتعث أبناءها للدراسة على نفقة الدولة في الخارج، حيث ابتعثت أول دفعة من هؤلاء الطلبة إلى مصر عام 1360 وعددهم 117 طالبا، سيكون لهم شأن كبير في قيادة البلاد، ومع إن سياسة الابتعاث استمرت على مدى 25 عاما الماضية إلا أن هذا البرنامج شهد نقلة نوعية وكبيرة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فقد تأسس مشروع الابتعاث الخارجي الذي دفع بمئات آلاف الطلبة والطالبات السعوديات إلى الالتحاق بجامعات علمية مرموقة في جميع أنحاء الكرة الأرضية، فقد وصل عدد المبتعثين عام 1432 إلى 133 ألف طالب وطالبة إلى أكثر من 34 دولة، وزاد عدد الملحقيات الثقافية السعودية من 24 ملحقية عام 1426 إلى 34 ملحقية هذا العام، الذي حققت فيه المملكة أعلى ميزانية في تاريخها للتعليم بنسبة 12% من إجمالي الميزانية السنوية.

أجيال جديدة مثقفة ومنفتحة

لم يكن برنامج الابتعاث الذي اعتمده خادم الحرمين الشريفين بهدف تلقي العلوم فقط، بل إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يتكامل برنامج الابتعاث مع برنامج خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الأديان، ففي دراسة علمية نشرتها جامعة الإمام، أكدت على أن برنامج الابتعاث يؤدي مردودا كبيرا لتطور المجتمعات ويساعد على الانفتاح الثقافي والتغير الاجتماعي وإحداث تحولات داخل المجتمع السعودي، كما أنه يعطي صورة حقيقية عن الإسلام والمسلمين إلى الشعوب الأخرى من خلال التعالق الحضاري والتأثير والتأثر، حيث ذكرت الدراسة أن 91.16% من الطلبة الذين استطلعت آراؤهم حول التفاعل المثمر مع الآخرين بأنها إيجابية، وبأنهم تعلموا من خلال احتكاكهم بالشعوب الآخرى ثقافة الحوار وفهم الآخرين، وهذا هو الجانب الثاني من العملية التعليمية من خلال برنامج الابتعاث.

وهكذا تعود أجيال سعودية جديدة محملة بالمعرفة والثقافة وروح الانفتاح والتساهم، وهي السياسة التي دعا إليها خادم الحرمين منذ أن أطلق مشروع الحوار الوطني وحتى تأسيس مركز الملك عبدالله العالمي للحوار.


قضية المرأة

النساء في ميدان التشريع والعمل

لا تقتصر الثقافة على الكتاب، لأن تعريفها شبه الجامع أنها ممارسة في السلوك وطرائق في التفكير، وبالتالي فإن التعليم مسألة أساسية في تنمية السلوك الإيجابي للمواطنين ورفع مستوى تفكيرهم.

وعلى هذا المستوى ظلت المرأة السعودية تعاني من تهميش ذكورة لفترة طويلة من تاريخ المملكة بحكم العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية، وقد تبنى خادم الحرمين الشريفين قضية المرأة، ففي تقرير نشرته هيئة حقوق الإنسان في السعودية مؤخرا، ورفعته إلى خادم الحرمين الشريفين أشار إلى ما تحظى به الهيئة من دعم خادم الحرمين الشريفين واستعرض عددا من الأوامر التي صدرت لتعزيز حقوق الإنسان، ومن أهمها الحقوق الخاصة بالنساء خاصة في ما يتعلق بالعنف الأسري، حيث تضمن التقرير المقدم إلى خادم الحرمين الشريفين حق المرأة في العمل والتنقل والحصول على الوثائق الخاصة بها، وقد انتهى المطاف إلى إقرار عدد من الحقوق الخاصة بالمرأة التي أصبحت شريكا رئيسا ومساهما فاعلا في الحضور الثقافي والحضاري وعضوا في مجلس الشورى، حيث أصدر خادم الحرمين الشريفين أمرا ملكيا في 29 صفر 1434 هـ الموافق 11 يناير 2013 بتعديل مواد في نظام مجلس الشورى وتكوين المجلس لمدة أربع سنوات هجرية ومشاركة المرأة عضواً في مجلس الشورى، ويتكون مجلس الشورى من رئيس ومئة وخمسين عضواً، على ألاّ يقل تمثيل المرأة فيه عن (20 بالمئة) من عدد الأعضاء، وهو إنجاز تاريخي لم يكن ليتحقق لولا وجود إرادة صلبة لتجاوز التقاليد التي تقيد مشاركة المرأة وحصولها على حقوقها.


مواقف لا يمكن تهميشها

وقد جاء هذا القرار بعد الكلمة الكريمة التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى، قال خادم الحرمين: "يعلم الجميع أن للمرأة المسلمة في تاريخنا الإسلامي، مواقف لا يمكن تهميشها، منها صواب الرأي والمشورة، منذ عهد النبوة، دليل ذلك مشورة أم المؤمنين أم سلمة يوم الحديبية، والشواهد كثيرة مروراً بعهد الصحابة، والتابعين، إلى يومنا هذا.

ولأننا نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي، في كل مجال عمل، وفق الضوابط الشرعية، وبعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء، وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه".

أما على مستوى عمل المرأة فقد تحقق الكثير في عهد خادم الحرمين الشريفين، ولعل ابتعاث 43 ألف طالبة للدراسة في الخارج هو مؤشر قوي على تمكين المرأة، فللمرة الأولى في تاريخ المملكة تقوم المرأة بنفسها بالإشراف على العملية التعليمية الخاصة بالإناث، حيث استحدثت وكالة وزارة للتربية والتعليم بقيادة امرأة، ومن خلال فتح المجال للمرأة بالعمل صدر قرار بتأنيث المحال النسائية لخلق فرص جديدة لهن، فلم تعد المرأة مجرد مستهلكة وإنما انتقلت في عهد خادم الحرمين الشريفين إلى مشاركة في الإنتاج والتنمية والقيادة، وبذلك تكون المرأة السعودية شريكا رئيسا ومساهما فاعلا في الحضور الثقافي والحضاري لمرحلة تنموية، أصبحت معها المرأة بذلك حاضرة في أحدى أبرز مؤسسات ومجالس صناعة الرأي.

وقد نجحت المرأة في أن تحظى بثقة مجتمعها فكراً وممارسة، وحضوراً مسؤولاً في التعبير، والحوار مع الآخر وانعكست الصورة التي كانت عليها المرأة وغدت مساهمة في المجتمع تعليميا واقتصاديا وثقافة، فأصبحت باحثة وسفيرة وممثلة لحكومتها في مؤسسات دولية

ففي افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى، قال خادم الحرمين "يعلم الجميع أن للمرأة المسلمة في تاريخنا الإسلامي، مواقف لا يمكن تهميشها، منها صواب الرأي والمشورة، منذ عهد النبوة، دليل ذلك مشورة أم المؤمنين أم سلمة يوم الحديبية، والشواهد كثيرة مروراً بعهد الصحابة، والتابعين، إلى يومنا هذا. ولأننا نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي، في كل مجال عمل، وفق الضوابط الشرعية، وبعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء، وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه".





في الأدب والثقافة

اهتم خادم الحرمين الشريفين بالأدب والثقافة مستكملا مشروع النهضة الذي أسسه الملك عبدالعزيز، الذي فتح الأبواب واسعة لوسائل الإعلام لنشر الآداب والثقافة وشجع طباعة الكتاب، وفي الوقت الذي كانت تشكو فيه الأندية الأدبية قلة مواردها أمر خادم الحرمين الشريفين في عام 1432 بصرف 10 ملايين ريال لكل ناد أدبي في المملكة، ويقول عن هذه الهبة رئيس نادي جدة الأدبي الدكتور عبدالله السلمي، لا نقول جديدا حين نتحدث عن حرص خادم الحرمين الشريفين بالتنمية الثقافية في أوسع نطاقاتها ابتداء من الكتابة وانتهاء ببناء المؤسسات الثقافية على المستويات المحلية والعربية والدولية.

إن الكرم الذي يتسم به خادم الحرمين الشريفين في الإنفاق على الثقافة أدى إلى تأسيس مشاريع ثقافية كبيرة، بعضها تم اعتماده وبعضها في طور التخطيط والتنفيذ. ليست كلمات الدكتور السلمي، سوى تعبير عن طبيعة ما يعيشه المثقف السعودي في عهد خادم الحرمين الشريفين، وهو يلمس كل هذه الإنجازات الكبيرة التي انبثقت من حرص خادم الحرمين الشريفين على دعم التنمية الثقافية.

من جهته، قال الدكتور عبدالمحسن القحطاني، الرئيس السابق لنادي جدة الأدبي لم تكن مفاجأة بقدر ما كانت متوقعة أما لماذا فيجيب الدكتور القحطاني: نحن نعرف خادم الحرمين الشريفين جيدا فمنذ أن كان ولياًّ للعهد وهو يرفد الثقافة بالدعم، ويشملها برعايته ولدينا فكرة جيدة عن اهتمامه بالثقافة، فهو من أسس المهرجان الوطني للتراث والثقافة، وكلف بهذا المهرجان الذي تحول إلى مهرجان دولي، كلف الحرس الوطني برعايته وتنفيذه، وهذا له معنى لكون مؤسسة عسكرية ترعى مهرجانا ثقافيا يعني أن خادم الحرمين الشريفين يتطلع نحو المستقبل في جعل مؤسسة عسكرية جزءا منها ذا طابع ثقافي وهذه ليست مجرد فكرة تنفذ ولكنها مشروع له أفق إنساني.


إنجازات أدبية كبيرة

من الصعب حصر المشاريع الثقافية التي دعمها أو وقف وراءها خادم الحرمين الشريفين، هذا ما يقوله رئيس نادي الطائف الأدبي عطا الله الجعيد، فالملك - حفظه الله - كان وراء مشاريع كثيرة أذكر منها مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام، وهذا مشروع له أهميته لكونه يعمل على تنشئة جيل متمكن من المعرفة، حيث يتضمن تجهيز المدارس بالمكتبات واستحداث فصول للقراءة الحرة وهذه خطوة مهمة واستراتيجية ستعطي نتائج كبيرة في المستقبل، طبعا من المؤكد أن مشروع مركز الملك عبدالله للحوار الوطني هو مشروع فكري ثقافي، وهذا أيضا مشروع على قدر كبير من الأهمية، فهو يفتح باب الحوار بين أبناء الوطن الواحد، لكن خادم الحرمين الشريفين كان يتطلع إلى أبعد من ذلك حين توسع بمشروع الحوار نحو أفق عالمي، حيث تم تأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في العاصمة النمساوية فيينا.

إذا تحدثنا عن المشروعات فلن يفوتنا مشروعان كبيران أحدهما جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، وجائزة الملك عبدالله العالمية للتراث والثقافة، وكل منهما بقيمة مليون ريال سعودي، وهذه جائزة مهمة، ويجب أن نلاحظ أن معظم الجوائز ذات صبغة عالمية، وهو ما يؤكد عليه خادم الحرمين الشريفين من خلال توصياته في خطبه العديدة بأننا رسل حضارة وسلام.


تشجيع غير عادي

يذكر رئيس نادي جدة الأدبي الدكتور عبدالله بن عويلق السلمي، أن المؤسسات الثقافية تحتاج إلى المال، فالعمل المؤسساتي يعتبر المال كالماء للحياة، وكانت منحة خادم الحرمين بقيمة 10 ملايين ريال للنادي بمثابة سقاية شجرة المعرفة، وقد لمسنا ذلك حين بدأت الأفكار تتبلور في مشروعات جديدة هدفها نشر الثقافة، فقد وفر لنا - حفظه الله - ما يمكن أن ننجز به ونقدمه للمجتمع، لقد وفر لنا الفرصة وعلى عاتقنا يقع استثمارها، فكأنه - حفظه الله - يدفعنا إلى العمل. وهذا يؤكده الجعيد في قوله حين يقول، وجدنا أمامنا كل الإمكانات للقيام بعمل ثقافي كبير، وهذا بفضل دعم خادم الحرمين الشريفين، لا تنقصنا الأفكار ولا تنقصنا العزيمة، ولكني أعتقد أن أحلام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أكبر من تطلعاتنا، لذلك نعمل بكل همة لتحيق هذه التطلعات.