يرى السفير السعودي في بكين المهندس يحيى بن عبدالكريم الزيد، أن الموقف الصيني إزاء الأزمة السورية بدأ يتخذ خطوات مغايرة، وأصبح أقل انحيازا للنظام، ما دفعها لإجراء اتصالات بالمعارضة. وشدد على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ببذل الجهود الدبلوماسية لإقناع الجانب الصيني باتخاذ موقف أكثر عدلا وعقلانية تجاه الأزمة. وقال في حوار مع "الوطن" من بكين، إن السفارة تصدر يوميا 300 تأشيرة للصينيين، مطالبا الخطوط السعودية بفتح رحلات بين العاصمتين الرياض وبكين. وأكد أنه لا توجد معوقات أمام المستثمر السعودي بالسوق الصينية، متمنيا رؤية سلسلة مطاعم سعودية بشوارع بكين على غرار نظيراتها العالمية.. وإلى نص الحوار:
كيف يمكن لنا أن نصف العلاقات الصينية ـ السعودية؟
العلاقات متميزة بكل المعايير، وتحظى بتقدم ملموس، وذلك نتاج لرؤية خادم الحرمين الشريفين، بالاهتمام بالصين وتنمية العلاقات معها، وحث المسؤولين السعوديين على تقوية العلاقات معها بكافة الميادين. ونحن حققنا الكثير، لكن هنالك أكثر ينتظر التحقيق في مجالات عدة.
كيف تعاملت المملكة مع الصين بعد أن تبوأت مكانتها كإحدى القوى العظمى؟
ما من شك في أن الصين حظيت بتقدم كبير، وهي الآن تعد في طليعة الدول التي ينظر إليها الجميع في مستقبل العالم، فهي قوة اقتصادية ضخمة لا يستهان بها، وكذلك قوة عسكرية، ومؤخرا أصبحت دولة مبتكرة بجانب المنتجة، حيث بدأت الشركات الصينية في مجال الكومبيوتر والتقنية تغزو العالم، وبعد أن كانت في بدايتها تنافس من حيث السعر، غدت الآن تنافس من حيث الكفاءة.
ومن جهة المملكة، فهي تسعى دوما إلى تحسين علاقاتها مع كافة الدول، وبالذات الكبرى ومنها الصين، والتي بدورها تحظى بمكانة كبيرة لدى المملكة، إضافة إلى كونها مستهلكا هاما وضخما للبترول، الذي تصدر السعودية كميات كبيرة منه للصين، علاوة على الوجود القوي للشركات السعودية ومنها "سابك" في السوق الصيني، ونحن نسعى لزيادة ذلك التعاون مستقبلا.
ما أبرز أوجه العلاقات الأخرى بين الطرفين السعودي والصيني؟
إذا تحدثنا عن صعيد المجال الثقافي، فهناك الآن أكثر من 1300 طالب سعودي يدرس بالصين، وهو عدد في ازدياد، حيث بدأ طلبتنا في اكتشاف أهمية الدراسة في الصين. وعلى صعيد النواحي التجارية والصناعية، فهناك استثمارات متبادلة، وقام القطاع الخاص السعودي ببناء مصانع مواد استهلاكية بالصين، وكذلك شركتا أرامكو وسابك لديهما مساهمات كبيرة.
تبادل اقتصادي
حجم التبادل التجاري بين البلدين؟
بلغ حجم التبادل التجاري في نهاية عام 2012 نحو 74 بليون دولار، وهو رقم وضع المملكة في مقدمة الدول العربية حجماً في تعاملها مع الصين. وكذلك وضع الصين في أولى الدول العالمية بالنسبة للمملكة. فالعلاقات الاقتصادية هي السند القوي للعلاقات الأخرى، كالسياسية، والثقافية ونحوها، إلا أننا لا بد أن نستفيد من خبرات الصين في مجالات أخرى كالصحة والزراعة.
هل وضعتم برامج محددة للاستفادة من الخبرات الصينية؟
كما تعلم أن المملكة لا تساهم بشكل مباشر في الاستثمارات، إنما تركت ذلك للقطاع الخاص، ونحن نعول عليه في أن يتشجع قليلا، ويكتشف السوق الصينية، من حيث الفرص الاستثمارية وما يمكن أن يستفاد منه في المجالات الأخرى.
مناخ استثماري
هل نجحت المملكة في التعريف بمناخها الاستثماري أمام المستثمر الصيني؟
الوفود الصينية لا تنقطع عن المملكة، والنشاط الصيني قوي جداً، ولديه الرغبة، لكنه يحتاج لمن يعرفه وهذا الجهد يقع على عواتقنا، من ناحية تعريفهم بالجو الاستثماري بالمملكة، والفرص المتاحة.
ومع الأسف، وعلى سبيل المثال، التمور السعودية التي نجدها بأسواق الصين، تأتينا عن طريق دول وقنوات أخرى كـ"دبي" مثلا، وبالتالي لا توجد قناة مباشرة، ومن ثم على المستثمر السعودي أن يتجرأ ويسوق المنتجات السعودية.
ما أبرز العقبات أمام المستثمر السعودي؟
لا توجد عقبات، إنما هي مجرد مفاهيم تجارية، تحتاج للجرأة والمخاطرة، والاطلاع، فنحن نحتاج إلى ذلك، والمشكلة أنه لدينا اكتفاء بالسوق السعودي، وهو بلا شك سوق مهم وحيوي، لكن السوق العالمي كذلك مهم، ويجب على المنتجين السعوديين أن يتطلعوا للانفتاح على الأسواق العالمية، فالسوق الصيني ضخم جداً. وقلت سابقا، لو أن كل فرد صيني أكل تمرة في العام، لاستهلكت كميات كبيرة من تمورنا، وأنا أحث القطاع السعودي، خاصة الزراعي، لأن يروج للتمور السعودية، أو بقية المنتجات السعودية، فمثلاً أنا أجد في كل شارع من شوارع بكين، أحد فروع مطاعم "مكدونالدز" و"كنتاكي"، وأتمنى أن أرى منتجاتنا المحلية من سلاسل المطاعم السعودية، تحظى بحصة من السوق الصيني.
الأزمة السورية
على الصعيد السياسي، نحن نعيش في خضم الأحداث السورية، والموقف الصيني مساند للنظام السوري، من خلال عملكم ما الجهود التي تمت في هذا الإطار؟
بلا شك الجهود مستمرة، ولم تتوقف، وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في هذه الناحية مستمرة، وتصويت الصين بالأمم المتحدة وفي مجلس الأمن، لم يكن يساهم مساهمة كبيرة في إقناع القيادة السورية الحالية، بأنها لم تعد مرغوب فيها. ونحن بلا شك نشجع ونقف مع الحل السلمي، لكن إلى متى ننتظر هذا الحل؟ والآن مرت 3 أعوام على الأزمة، وأنا أقول لزملائنا من الجانب الصيني بأن الذين يموتون بشكل يومي هم بشر، وذكرت لهم أن نسبة من توفي من الشعب السوري، لو قارناها بنسبة السكان الصينيين لكان هناك ملايين من الضحايا. هم الآن مدركون بأن الوضع غير مريح، وبدأوا اتصالاتهم مع المعارضة، وإنما دائماً يبررون موقفهم بأنه ينصب في عدم التدخل الخارجي، ونحن نسعى معهم – لحساسية الوضع – بأن يكون موقفهم أكثر عقلانية وعدلا.
والصينيون – في الحقيقة – مواقفهم السياسية مع العالم العربي إجمالا ممتازة جدا، خاصة مع القضية الفلسطينية، كانت مواقفهم مشرفة ومساندة للقضية، وكذلك موقفهم من كافة القضايا الأخرى، إنما القضية السورية شائكة، ولدي اعتقاد بأن موقفهم كان يمكن أن يكون أفضل لو أنهم اتخذوا موقفا حياديا، ولكن ربما أنهم يخشون أن ينعكس الوضع عليهم ذاتيا. ونحن نحاول، والجهود مبذولة من المملكة في توصيل رؤيتها للحكومة الصينية.
أوضاع المبتعثين
لو انتقلنا لأوضاع الدارسين هنا، هل هناك صورة نمطية عن الشعب السعودي لدى الصينيين، وتبدلت بعد ازدياد عدد المبتعثين؟
لا شك أن مساهمة المبتعثين كانت قوية جدا، وفي كثير من الأحيان كانت المساهمة إيجابية، لكنها في قليل من الحالات سلبية، ويعتمد ذلك على تصرف الطالب، الذي يجب التنبيه عليه بأن سلوكه ينعكس على بلده، فبالتالي دائماً ما نحث الطلبة بأن يكونوا واعين لواقعهم الإسلامي، وأنهم يمثلون المملكة، ويمثلون كل السعوديين، وأي تصرف سلبي سينعكس بالتالي على سمعة المملكة ومواطنيها. وفي الإجمال، فإن تصرفات الطلبة جيدة، على رغم ظهور بعض الإشكاليات التي نتمنى لو لم تكن، لكنها كنسبة لا تشكل شيئاً يذكر بالنسبة لعدد الطلبة البالغ 1300 دارس.
يعاني كثير من الطلبة من عدم وجود رحلات جوية مباشرة على الخطوط السعودية لبكين، هل هي مشكلة خاصة بالطلبة؟
الحركة التجارية قوية جداً بين السعودية والصين، وبدأت مؤخراً تنمو بصورة أكبر، وأنا دائماً ما أقول لمسؤولي الخطوط السعودية بأنه عليكم ألا تنتظروا حتى تكون السوق موجودة، إنما عليكم خلق هذه السوق.
كم عدد التأشيرات التي تصدرها السفارة؟
300 تأشيرة في اليوم على مدار العام، وأغلبهم من العمال، والتجار، علاوة على تأشيرات العمرة والحج، والتي تدخل في المعدل الإجمالي.
ما عدد الرعايا السعوديين بالصين؟
لا يوجد سعوديون يقيمون هنا إقامة دائمة، فيما عدا موظفي السفارة والملحقيات التابعة لها، ولا يتجاوز عددهم 65 شخصاً، أما أغلب الرعايا السعوديين الذين يأتون إلى هنا فمن أجل العلاج، خاصة في عمليات زراعة الأعضاء، وتحديدا زراعة الكلى والكبد. ويوجد حالياً نحو 26 مريضا بمستشفى مدينة تيانجين (نحو 150 كيلومترا عن بكين)، ومن عادتي زيارتهم كل شهر أو شهرين.