كثيرا ما نسمع عن الشخصية الفهلوية، والبعض يعدها (شطارة) أو حرفة للخروج من المآزق. والحقيقة أن كلمة فهلوي باتت محيرة؛ لعدم فهم معناها، ومنبتها الأصلي. فمن أين أتت؟ وما معناها؟ وهل هي موجودة بيننا؟

"الفهلوة" وردت لها عدة تعريفات منها أنها "مصطلح وسلوك أصلها الفارسي. اللفظ المنحوت من الفاء والهاء والواو، ليس من بينها حرف مستقر عدا اللام".

ولعل هذه الحركة وعدم الاستقرار ذو دلالة على عدم استقرار الشخصية ذاتها. وقد رد المفسرون اشتراكها مع لفظ بهلوان في ثلاثة أحرف تشكل مقطعاً متجانساً في كلا اللفظين. يدل على أن الفهلوة سلوك لاعب خالص، أو تعريف جامع مانع. وإن ورد في بعض التعريفات أن "للغة الفَهلَوِيّة أو اللغة البهلوية. وهي اللغة الفارسية الوسطى (پارسي ميانه) وتطورت عبر عهود مديدة. فاللغة الفهلوية الأشكانية استخدمت في عهد سلالة الأشكانيين من القرن الثالث قبل الميلاد حتى نهاية القرن الثاني بعد الميلاد. ثم سادت اللغة الفهلوية الساسانية في عهد الحكم الساساني من أوائل القرن الثالث الميلادي حتى سنة ستمئة وإحدى وخمسين ميلادية". كما ورد في موسوعة الورد للبعلبكي. وكما "يشير عالم الاجتماع المصري الكبير الدكتور عويس في موسوعته عن الشخصية الفهلوية"، أن ما يتصف به الحاصلون ـ أو المنتسبون أو حملة علوم الفهلوة وأنهم يدعون العلم بكل أنواع العلوم فهم العلماء العصريون تارة، وهم العلماء اللدنيون الواصلون العارفون تارة ثانية، وهم حفظة التراث المصري الأصيل تارة ثالثة، فهم كما يظنون أنهم أهل جميع العلوم والمعارف.

والتعرف إلى أهل الفهلوة ليس صعبا فهم الأشخاص الذين يبحثون باستمرار عن أقصر الطرق وأسرعها لتحقيق الأهداف والمكاسب الدنيوية والأخروية على السواء. وهم دائما يتجنبون طرق العناء والجد ويكون همهم ليس إنجاز العمل على أكمل وجه وإنما إنجازه بأي شكل".

ومن أهم سمات الشخصية الفهلوية في عصرنا هذا، هو التظاهر بالتفوق والإحاطة بالمعرفة، كمان أن الفهلوي نادرا ما يعجبه غيره سواء كان قولا أو فعلاً وربما ذلك يرجع لخوفه من سقوط القناع فتنجلي حقيقته، وإن ظهر عيب له لم يقرَّه بل يحوله إلى ميزة في منطوق مغاير، فالاعتراف بنجاح الآخرين، قد يعرض مشروعه أيا كان نوعه إلى الانهيار، وهو من أشد العارفين بمدى خواء أفعاله المسنودة على الدوام بالأقوال. ولعلنا نلحظ ذلك الخيط الرفيع بين "الفاه" - أي الفم - والفهلوي! وكأن الشخصية برمتها تتحول إلى (فم) فنطلق عليها مصطلح (فهلوي) وبالتركية (مكلمنجي).

ولذا كان تعريف الفهلوي في قاموس المعاني: عاش بالفهلوةLive by / on" his wits".

ولعل التعريف الأخير هو أدق في حل لغز الشخصية، فتحيا في شكل حلزوني، تعتمد على الأقوال لا على الأفعال.

لقد ترعرعت هذه الشخصية في عصور الظلام والاستبداد، حتى إن الكاتب جمال حمدان في كتابه عبقرية المكان يقول: "إن الفهلوة كانت من الأسلحة التي قاوم بها الفلاح المصري البسيط الطغاة في مختلف عصور الظلم والظلام والاستبداد، التي مرت عليه والتي بدأت بالبطالمة، ولم تنته بالإنجليز".

إذ إن الشخصية، تخلق لنفسها هالة لا تستحقها فيتوهم الغير أنها ذات قدرات وأفعال لا يقدر عليها سواها، ومن هنا تجعل لنفسها مهربا، من بطش الطغاة، أو لتحصل على مرادها بالأقوال أكثر من الأفعال؛ وهوما رسَّخ لهذه الشخصية أن تتربى في تلك البيئات، حتى استقرت في يومنا هذا حتى وإن زال الحدث، حتى أصبحت ثقافة راسخة في وجدان الناس! فترسخت قيم الفَّهلوة، وانتقلت كميراث قيَّمي وخُلقي من الآباء إلى الأبناء، وسوف يستمر هذا الميراث ما دام هناك أناس تعمل كغطاء لها إما لمصلحة خاصة، أو بسذاجة لا تفهم في الغوص والتحقق والفهم للشخصية المدعية الحلزونية واللاعبة على كل الحبال. حتى تحولت هذه السمة في عصرنا هذا إلى ثقافة سائدة تمارس على أرض الواقع على مستويات عدة ومنها: المستوى الدولي، والاجتماعي، والأداء الوظيفي، ثم التحصيل العلمي، فيتغلف العالم كله وخاصة العالم العربي منه بغلالة الفهلوة حتى أصبحنا نمارس الفهلوة ثم يمارسها العالم بدوره علينا؛ فنقع في دائرة من الفهلوة لا نهاية لها حتى نجد النسابة والمؤرخ يزيد بن عبد مناف يقول في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي عن نوع من "الفهالوة": "الكهنوت... الأسود الأحمر سيان... العُصبة العمامة الأشمغة سيان، من غير تعميم مفرط، والغالب هم يسلبون الشعوب يقظتهم وتفكيرهم وإرادتهم وسلامهم، كلهم لا يعنون العقل والدليل والتأصيل، كلهم إسفاف، وقتلة شعوب، وابتزاز أخماسا وأسداسا وأعشارا، وأموالا تعتنق مسوح الأجر للإبحار عن قرار النار، فإننا في مسلماتهم حطب جهنم، فلا بد من يقظة تشبههم حتى ندخل جنتهم التي ليست كجنة الله".

لقد أصبحت الشخصية الفهلوية خطرا يجب الانتباه إليه، وعضوا فاسدا يجب الإسراع في بتره، أينما اتخذ مكانه سواء على المستوى الدولي أو المجتمعي أو العلمي؛ لأنه يجمع كل ذلك شيء واحد ألا وهو السلوك الإنساني البغيض الباحث عن شيء واحد، ألا وهو الإبقاء على الرأس ونحر الجسد. الإبقاء على رأسه الفارغة إلا من طنين يدور في فلك الآخرين فيصم الآذان، ويصب الأعين بالغشاوة، وبالتالي تسقط الرؤوس، لأن أجسادها قد تآكلت بفعل النحل الرابض في أخشاب نخرها السوس.

لم تنهض أمتنا إلا على يد العلماء العرب، والفلاسفة المسلمين، والذي نعرف أن الواحد منهم قد اتخذ له صومعة للعلم فلا يحيا إلا من أجله فقط