كثيرة هي الفوارق بين مبتعثي الماضي ومبتعثي الحاضر، إلا أن الأمر الوحيد الذي لعب دورا كبيرا في إيجاد معظم هذه الفوارق، يتمثل في وسائل الاتصال الحديثة، التي لم يقتصر دورها على جعل المبتعث في اتصال دائم مع أهله وذويه وأصدقائه في كل مكان، بل سهلت هذه الوسائل كيفية التحاقه ببرنامجه التعليمي، والحصول على جميع الخدمات التي يحتاجها عند الوصول إلى بلد الابتعاث من سكن وتسوق ومعلومات ضرورية عن الحياة اليومية وكيفية التعايش هناك.
ومنذ ظهور وسائل الاتصال المتطورة في الأعوام الماضية، أصبح التواصل بين الجميع أكثر سهولة ويسرا، بفضل مواقع التواصل الاجتماعية، وما تتضمنه من معلومات وروابط توصلهم إلى ما يحتاجونه، فيما كان يتعرض مبتعثو السابق إلى الكثير من المواقف الصعبة في تحصيل ما يريدون من خدمات.
المبتعث السابق عبدالرحمن العبدالقادر، الحاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة من جامعة ولاية واشنطن الأميركية، ويعمل حاليا في مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، قال إنه في بداية ابتعاثه قبل عقد من السنوات، لم يكن للمواقع الاجتماعية ذلك الانتشار الذي يراه الآن، مبينا أن الطريقة الوحيدة التي كانت تجمعه بأهله وأصحابه هي "الماسنجر".
وأشار العبدالقادر، إلى أن مواجهته لبعض الصعوبات في بداية ابتعاثه، ومنها صعوبة الوصول للمبتعثين الآخرين للحصول على معلومات عن الجامعة والمدينة، إذ لم يكن يحصل عليها إلا عن طريق المعارف وعلاقاته الشخصية، مضيفا أنه كان يعاني من صعوبات أخرى، إذ لم يكن لديه أي فكرة عن الجامعة التي تم قبوله فيها، وبعد إنهاء كل إجراءاته وحصوله على القبول ووصوله إلى المدينة، لم يجد أي طالب سعودي، وعند بحثه عن الجامعة لم يستطع الحصول على معلومات إلا باللغة الإنجليزية، وكانت أصعب بالنسبة له كونه ما زال في بدايات الابتعاث.
ولفت إلى أنه واجه صعوبة في الحصول على قبول وترتيب السكن الخاص به، والبحث عن شقة وتأثيثها، مستدركا: أما الآن فالأمر اختلف، فهناك مواقع وحسابات على الشبكات الاجتماعية، تسهل هذه الأمور على الطلاب كموقع "سعوديون في أميركا"، وأيضا صفحات الأندية السعودية في أميركا، وفي جميع دول الابتعاث، فكل ما على المبتعث البحث فقط عن اسم الجامعة ليجد العشرات من النتائج وكثير من الشباب المتطوعين والمشرفين على الصفحات يقومون بمساعدته بشكل واضح وميسر.
وعاد العبد القادر بذاكرته إلى الوراء، عندما قال إن جمال الغربة في التعب والتعرض لجميع المواقف، وذلك لتعزيز ثقة المبتعث في نفسه لتصنع منه شخصية جيدة وقوية عالية التحمل، وليضيف ذلك لتجاربه وخبراته، مشيرا إلى أن النظرة السلبية للابتعاث في بداياته قبل سنوات أثرت سلبا على بعض الطلبة، إذ تراجعوا عن إكمال دراستهم، مضيفا: لولا وقوف والديّ معي وتشجيعهما لي لما وصلت لهذا النجاح.
وهنا أوضح العبدالقادر أن نظرة المجتمع له ولزملائه بأنهم "متأمركون" كانت تؤلمهم، إذ كان عدد المبتعثين والمبتعثات في جامعته يقدرون بنحو 20 طالبا
وطالبة، في حين تجاوز عند التخرج 250 طالبا وطالبة، وقد تجاوز الكثير من المبتعثين الصعوبات بمشاركتهم في الأندية الجامعية، والاحتكاك مع الأجانب، والرفقة الطيبة التي صنعت لهم كمّا هائلا من التجارب والمواقف التي تعثروا في بعضها ونجحوا في بعضها الآخر.
أما أمل محمد، وهي إحدى خريجات جامعة كندا في تخصص الطب البشري، فقالت: "كنت ممن اُبتعث في عام 2006 برفقة أخي الذي التحق ببرنامج الابتعاث أيضا"، واصفة بداية رحلتها العلمية بأنها ذات بداية صعبة، إذ لم يتقبل الجميع فكرة ابتعاثها، إلا أن والديها كانا المشجع الأكبر لها، ولم يكن في التواصل مع عائلتها مشكلة في ظل وجود "الإنترنت" الذي سهل لها الكثير، إلا أن عيبها الوحيد أنها لم تكن متواصلة معهم على مدار الساعة كما هو الحال الآن.
وكانت الصعوبة الوحيدة برأيها هو الإحساس بالغربة في أول عامين، إذ خلت جامعتها من زميلات سعوديات، إلا أن الأمر اختلف بعد ذلك بعد تواصلها معهن عن طريق المنتديات في تلك الفترة، وهو ما اختلف الآن كليا، فالفتيات يتواصلن مع بعضهن عبر مجموعات خصصوها في الهواتف الذكية أو عن طريق الشبكات الاجتماعية في الفيس بوك وتويتر وغيرها.
وأكدت أمل أن الفتيات كُن يتعرضن لمحاربة بشكل نفسي من قبل المجتمع في بداية الابتعاث، وكان من الصعب عليهن مواجهة هذا الرفض المجتمعي لهن، حتى إن الأغلبية تنازلن عن حلمهن وعدن لأرض الوطن، بينما تمسكت الكثيرات بحلمهن وحاربن لتحقيقه، حتى أصبحن قدوة الآن لكثير من الطالبات اللاتي وجدن سهولة أكثر وقبولا من المجتمع لتقبل الكثير من العائلات على تشجيع بناتها على الابتعاث ومساعدتهن على اختيار الجامعات والتواصل مع من سبقهن من خريجات.