إنه لمن الغباء أن نجعل أشخاصا محددين يتحملون كامل نتائج غبائنا. وفي المقابل إن من السذاجة أن نتجاهل إسهام الأشخاص المحددين في الخديعة التي عانينا ونعاني منها. أن نقول بأن "فلان وعلان" هما السبب والمتسبب في ذهاب شبابنا للجهاد إلى أفغانستان والعراق وسورية، ففي هذا تشويه صبياني للحقيقة وتعتيم سافر على باقي الأسباب والمسببات، غير أن هذا لا يعني إعفاء "فلان وعلان" عن مسؤولية الدماء التي أريقت من أجل تحقيق مصالح الآخرين، وكأن شبابنا مجرد بيادق تتحرك عن بعد لتحقيق نصر يجني الجميع ثماره إلا شبابنا رغم أنهم الوحيدون الذين نزفوا الدماء.

وإني لأتساءل: هل ذهب شبابنا للجهاد بحثا عن الجنة أم هربا من جحيم الواقع؟ ولماذا نلوم من لوح لهم بالجنة ونغض الطرف عن الذي حول واقعهم إلى جحيم؟ لماذا نلوم من يصطاد في الماء العكر ونتجاهل من عكر الماء؟ الجميع من باب الإنصاف يجب أن يتحمل جريرة إلقاء شبابنا في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، السياسي الذي أراد البحث عن مصالحه، والنظام التعليمي الذي قتل فيه المقدرة على التمييز، والجهات التي أدخلته في هذه البطالة المقيتة، وكل مسؤول عن إهدار حقوقه، وكل من جعل شبابنا يعيش بلا عنوان ولا قضية. الجميع يتحمل، والجميع يلام، والجميع يجب أن يحاسب، أو فليصمت الجميع، لأن الصمت هنا أجدى من تحميل "فلان وعلان" كامل المسؤولية، فإن "فلان وعلان" ما قاما إلا باستغلال هذا التشتت والضياع الذي يعيشه شبابنا، ولو لم يقم الجميع بتعكير الماء لما وجد من يصطاد في الماء العكر!

شبابنا، أو من نجا منهم. بعد أن خاضوا المعارك ورددوا أناشيد الحماس، واستنشقوا رائحة المسك والعنبر من أجساد الشهداء، اكتشفوا أنهم مغفلون قد استخدمتهم الدول لتحقيق مصالحها. بعد انتهاء المعركة ذهب الجميع بالغنائم وبقي من نجا من شبابنا واقفا يحمل سلاحه لا يدري ما الذي حدث للتو!، لا يعلم كيف غدا بيدقا يتم تحريكه ليبسط الآخرون نفوذهم! لا يستوعب كيف بالشيخ الوقور الذي أغراه بالجنة أن ينفض يديه بعد انتهاء المعركة، وكيف طوع فضيلته الجنة وحور العين لخدمة السياسيين! شبابنا كلما انتهت معركة يعيد نفس الأسئلة ولا مجيب، ونحن بدورنا نعيد نفس الأسئلة فهل من مجيب؟!.

أحدهم وضع في "تويتر" "هاشتاقا" ساخرا طالب فيه المغرد أن يرسل رسالة إلى والديه يخبرهم فيها أنه ذاهب للجهاد في سورية ثم يضع الرد في الهاشتاق للضحك والـ"وناسة"، ورغم أن الهاشتاق ساخر إلا أنه حمل وجهة نظر المواطن البسيط تجاه راية الجهاد التي رفعت في أفغانستان والعراق سابقا، وإن القيام بجولة في هذا الهاشتاق الساخر تخبرنا صراحة أن المواطن البسيط قد أرهق لكثرة ما يرى من دماء أبنائه وهي تنزف في كل مكان، وربما تكون غلطة الإعلامي "الشريان" أنه تحدث عبر الإعلام بنفس أسلوب المواطن البسيط، المواطن الذي لا يريد أن يخوض في تعقيدات الأسباب والمسببات إنما يريد الحل الذي يحفظ به دماء أبنائه، وهذه غلطة "مقصودة باحتراف" خالف فيها الشريان "البرستيج الإعلامي".

ورغم اختلافي مع "الشريان" في تحديد أسماء معينة وتحميلها كامل الخطأ، لأن الخطأ أكبر من الأشخاص، إلا أنني أتفق معه في سؤال واحد فحواه: أين شيوخنا عن الجنة؟ أين أبناؤهم عن الجنة؟، ولا أتحدث هنا عن الذين حددهم الشريان إنما عن كل من لوح بالجنة أمام شبابنا. فقد قرأنا في التاريخ أن صلاح الدين الأيوبي، حث الناس على الجهاد فعلا لا قولا، سبق الجميع إلى أرض المعارك فلحقه الجميع لأنهم وجدوا فيه الصدق حقيقة لا قولا، لم يكتف بالخطب الرنانة، لم يدّع أن دوره من وراء الستار أعظم. فأين شيوخنا وأبناء شيوخنا عن الجنة؟ هذا هو السؤال.

إن الكثير من ردود الفعل على حلقة "الشريان" راحت تنزه الشيوخ ورجال الدين، وإن بعض الشيوخ لا يشق لهم غبار، إلا أن البعض الآخر يغطيه الغبار، لأن أجندات السياسة لم تكن لتستغل شبابنا وتقنعهم بخوض المعارك بالنيابة إلا بمساعدة وسيط، هذا الوسيط إن لم يكن من رجال الدين فممن؟ من الذي لوح أمامهم بالجنة وحور العين؟ من الذي بكى أمامهم حتى خضبت لحيته؟ من الذي استغل المنبر وخطب في الشباب خطبا رنانة؟، من الذي غرر بهم؟ والجميع اليوم يؤدي دور الحمل الوديع؟

لقد آن الأوان أن ندعو كل من أسهم في إعلان النفير في أفغانستان والعراق وسورية، إلى أن يسبق الآخرين إلى الجنة، أن يذهب قبل الجميع إلى أرض المعركة، أن يتشرف بحمل الرايات السود، أن يفجر نفسه بين حشد جله مسلمون، أن يخوض المعارك تلو المعارك حتى تصيبه الحيرة ويتساءل: على من انتصر هنا، وأحارب من؟

اسبقونا إلى الجنة حتى نلحق بكم مطمئنين. تقدموا فإنا لا نذم الجهاد لكن قعودكم قد أربكنا فعلا. تقدموا، أليست جنة عرضها السموات والأرض، فلماذا تزاحمون الجميع على دنيا ومتاع قليل؟