ضربت هزات أرضية متفاوتة القوة منطقة جازان في الأيام القليلة الماضية، حدثت أولاها مغرب يوم الخميس 23 /1 /2014، بقوة (5.1) على مقياس ريختر، بينما كانت الهزة الثانية التي يسميها الخبراء (الارتدادية) في الثالثة والنصف من فجر السبت 25 /1 /2014، وبقوة (3.7) على نفس المقياس، وقد سجل المركز الوطني لرصد الزلازل والبراكين (26) هزة ارتدادية خفيفة ما بين الهزتين، وقد شعرت شخصياً بالهزتين الأولى والثانية بينما كنت في منزلي، وفي الحالتين هرعت مسرعاً لأطمئن على أطفالي وأسرتي، استعداداً لأي طارئ قد يكون عنيفاً لا قدر الله، وهو ما لم يحدث بفضل من الله تعالى، ردة فعلي هذه بفطريتها لم تكن لتسعفني في ظل قلة معرفتي بكيفية التعامل مع مثل هذه الحوادث وتحت هذه الظروف، فجأة وجدت نفسي أضعف مخلوقات الله، فكل ما أعلمه هو أنني أمام امتحان لست مستعداً له على الإطلاق، وهي نتيجة طبيعية لانعدام توعيتنا بكيفية التصرف من قبل الجهات المعنية بهذا الأمر..!

"الزلازل هي ظواهر طبيعية ناتجة عن اهتزاز أرضي سريع وتصادم لصفائح قشرة الأرض، ويسمى مركز الزلزال "البؤرة"، يتبع بارتدادات تدعى أمواج زلزالية، وهذا يعود إلى تكسر الصخور وإزاحتها بسبب تراكم إجهادات داخلية، نتيجة لمؤثرات جيولوجية ينجم عنها تحرك الصفائح الأرضية، وقد ينشأ الزلزال كنتيجة لأنشطة البراكين أو نتيجة لوجود انزلاقات في طبقات الأرض"، ويُسمى الجهاز الخاص برصد الزلازل بالسيزموجراف (Seismograph)، يتميز بتقنية وحساسية عالية جداً تقوم بتسجيل عدد الهزات ووقت وقوعها.

وتربة منطقة جازان كما يقول خبير الزلازل السعودي، الدكتور عبدالله العمري رئيس قسم الجيولوجيا المشرف على مركز الدراسات الزلزالية بجامعة الملك سعود، تقع على رواسب من القبب الملحية السميكة، التي بدورها تساعد على انتشار الموجات الزلزالية بسرعة عالية، مما يؤدي إلى الإحساس بالهزات بسهولة، مبينا أن النشاط الزلزالي في شبه الجزيرة العربية يقع على امتداد حدود الصفيحة العربية بمنطقة خليج العقبة وجنوب غرب المملكة والبحر الأحمر"، وعلى الرغم من كل تلك المعلومات القيمة التي ذكرها الدكتور العمري، وأهميتها العلمية البالغة، وفارق الزمن بين الهزتين من مغرب الخميس إلى فجر السبت، إلا أننا لم نشاهد أو نلمس اهتماماً يوازي قيمة تلك المعلومات أو حجم ومعنى الزلزال، من جانب مراكز التوعية والمؤسسات المعنية بالأمر، فهل كانت تنتظر مثلاً حدوث كارثة لتقوم بدورها التوعوي بكيفية التعامل مع الزلازل؟

على جانب آخر أتفهم أنه في الماضي وعلى المستوى العالمي أيضاً، كان هناك كثير من التعتيم والمحاذير والخطوط الحمراء فيما يخص النشر والإعلام، أما اليوم فقد تغير العالم وتغيرت المفاهيم جذرياً إلى حدٍ بعيد جداً، وما أثار استغرابي ودهشتي أكثر في الواقع، هو غياب قنواتنا التلفزيونية الفضائية والأرضية العزيزة عن مواكبة الحدث، وعدم بثها لتقارير وتغطيات توضح للناس ما حدث وتطمئنهم على الأقل، ولو ببعض اللقاءات مع المسؤولين في جازان، وخبراء الزلازل للحديث عن الأمر بشكل علمي وطريقة احترافية، تساعد على طمأنة الخائفين والمرجفين، بدلاً من ترك الشارع يتخبط ويتفنن في التفاسير ونشر الشائعات هنا وهناك، عبر وسائل الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعية، وهنا أجدني أعتب على تلفزيوننا بقنواته المتعددة، الذي وضع نفسه في حرج كبير أمام دهشة الشارع العام، بعدم تفاعله مع الحادثة..!

قبل يومين حكى لي أحد الأصدقاء عن معايشته للهزة الأرضية التي حدثت عام 1415 في منطقة جازان، وشعر بها كثير من السكان، وكيف أن الهزتين الأخيرتين أعادتا إلى مخيلته، تفاصيل لحظات مماثلة قبل عشرين عاماً، كنت أتأمل عينيه وكأنها تقول: نحن لا نريد أكثر من تعليمنا كيف نتصرف لنتجنب أكبر قدر من الضرر فقط. تُرى ماذا لو اتسعت مساحات الرشح الظاهرة على بنية جدار سد وادي بيش، تُرى ماذا في وسع أطفالنا أن يفعلوه وهم في مدارسهم المستأجرة، فيما لو حدثت هزة عنيفة مفاجئة لا سمح الله؟ احتملت كلمات صديقي لكنني لم أحتمل عتب عينيه، فتركته ومضيت.