من رأى فوانيس البلاد وأنضاء المداد يسهرون في حضرة ربة الشعر، جيزان ذات العماد؟!

حين يكون الموعد الشعر فربة القصيد دائما على الموعد. ست ليالٍ بأيامها وهي تنادم الشعراء وتجاذبهم قوارير الكلام، حين مجمع النهرين في صالة فندق الحياة، ملتقى الشعراء الشباب للنادي الأدبي وملتقى جائزة السنوسي، حيث لا يسأل أحد أحداً من نظم هذا ومن نظم ذاك، فكل فتيانها هنا وهناك.

وحين السهر تنثرهم جيزان في وديانها من ظبية أبي عوف الموكلي شمالا حتى "ليه" إسماعيل المهجري جنوبا، أما فاكهة الليل ففي "خلب" علي الأمير.

دانة غواصين ومزمار حجاز وسامري نجد، والشعر بلا حد.

هنالك غنت تونس الخضراء، وعُمان البحار، وصنعاء الجدود ونجران ذات الأخدود، جيزان تعترف بتقصيرها ولو اكتملت، وتذكر أخطاءها ولو أصابت.

ليس الشعر فالشعر سنقرؤه على أي ورقة، ولا الحوار فالحوار سنفعله في أي شاشة، ولم تكن الغاية قصيدة فائزة، وحدها، اللمّة هي الجائزة.

لكل صدر حضر عتَب، لأنه أحب، ولكل قلب امتنان، وكلاهما إلى جيزان سيّان.

قيل إن جيزان غامرت بالحفلتين، صدقوا، فهي مترددة خائفة في أغلب شأنها لكنهم ما علموا أن جيزان في مواعيد الفن مغامرة أبداً، متهورة لا تحاسب، ولا تفكر في العواقب.

مجنونة هذه القصيدة التي يمر البحر تحت قدميها وخصلاتها مجدولة فوق السروات، تغني وهي بين فكّي الحاجة وأمام ضباع الأراضي.

مدمنة فن حتى والزلازل تتحرش بها، تغني حتى واللصوص يخاتلون خواتمها ولبّتها، ترقص حتى والقوارض تنهش "عكادها وعكوتها".

لا يشغلها كل عصرية إلا قطف ردائمها وتنسيق عصائبها، لا تسأل ما الذي بقي من الدنيا وما الذي راح.

تموت إن غابت عنها رائحة الفلّ والكتب، وتفقد صوابها إن لم تجد مكحلتها في مكانها، تسامح في كل شيء إلا في قلبها.

لا تهتم إن أنكرها الناس جميعا ما دام الشعراء يأوون إلى سدرتها. ومَن غير الشعراء يعرف جيزان على حقيقتها؟!

وقد فعلوا ويفعلون، يجيئون ويرحلون، وعطرهم لا يفارق أردانها، وغناؤهم لا يبرح وديانها.

شكرا لهم ولها.