وأخيرا وبعد تأخر حمل مشروع التأمين الصحي للمواطنين لمدة ست سنوات، تخللتها عدة إجهاضات، ذكرت المصادر المطلعة لصحيفة "الوطن" في خبرها المنشور يوم الجمعة الماضي نجاح عملية تلقيح طفل أنابيب التأمين الصحي للمواطنين، وأنه سيرى النور بعد تسعة أشهر.

ومع الفرحة بدقة المدة المتوقعة لإقرار مجلس الوزراء لمشروع التأمين الصحي للمواطنين، فإن الفرحة أكبر لأن مدة حمل المشروع قبل إقراره ستتيح الفرصة لمتابعته ومراقبته اللصيقة، خاصة أن حال الخدمات الصحية لا يسمح بإجهاض آخر وخيبة أمل أخرى.

أما وقد ثبت حمل مشروع التأمين الصحي للمواطنين بعد ست سنوات من المحاولات المتكررة، فإنه وكأي حمل عالي الخطورة بحاجة لمتابعة ورعاية رقابية عالية؛ لضمان وصوله سليما معافى، لا خديجا ولا معاقا، فتكلفة المحاولات لست سنوات أخرى عالية، وثمنها أرواح المواطنين وثقتهم بالنظام الصحي، ومناشداتهم لحق صحي كفله لهم نظام الحكم الأساسي.

ذكر الخبر بعض التصريحات المتضاربة التي تثير القلق والتساؤلات حول نوع التأمين الذي سيقر بعد تسعة أشهر، هل هو نظام تأمين صحي اجتماعي حقيقي؟

ولأن هذا الحمل لم يتم الكشف عنه وعن جنسه، وما زال مجهول الملامح، فلعل فحصه ومتابعته تأتي من مجلس الشورى، خاصة وأن المشروع لم يتم عرضه على المجلس، ولم تتم دراسته من قبل أعضائه، وهو المكان الأنسب للرقابة السابقة على هذا المشروع الحيوي، إذا ما علمنا أن ديوان المراقبة العامة، وهيئة مكافحة الفساد تختصان بالرقابة اللاحقة فقط.

صرح وزير الصحة أمام مجلس الشورى سابقا، بأن التأمين الطبي يعد مصدر تمويل، ولا يشكل نوعا من أنواع تطور الخدمات الطبية، وأنه بحاجة لدراسة واسعة عبر أربع ورش عمل، إحداها مع مجلس الشورى. ومع ذلك فإن دعوة بعض أعضاء من المجلس كمستشارين في ورشة عمل لا يعني البتة أنهم يمثلون بقية الـ 150 عضوا الذين لم يطلعوا على المشروع ومواده ولم يصوتوا عليه، خاصة أنهم متى ما اطلعوا عليه فسيكون لهم نظرة شمولية أكثر وقدرة على رصد الثغرات كنتاج طبيعي لدراسته وتداوله بين الخبرات المختلفة والمتنوعة. دراسة مشروع التأمين الصحي للمواطنين خلال مدة حمله من قبل أعضاء مجلس الشورى سيساعد مجلس الخدمات الصحية، ومجلس الضمان الصحي التعاوني في سد فجواته الناتجة عن غياب رأي المواطنين من دراساتهم الموسعة المقدمة للجنة الوزارية المختصة.

ولأن غياب رأي المواطنين أثناء القيام بتلك الدراسات هو ناتج طبيعي لغياب الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصحية وممثليها، فإن الفرصة الوحيدة المتبقية للمواطن لإيصال صوته قبل مولد مشروع التأمين الصحي، هي عبر مجلس الشورى بالتفاعل مع الأعضاء أثناء تداوله ودراسته التي ستقوم بتغطيتها ونقلها وسائل الإعلام المختلفة.

أسقط مجلس الشورى قبل عامين توصية إضافية قدمها عدد من الأعضاء آنذاك، تطالب بتسريع تطبيق التأمين الصحي على المواطنين، وكان السبب حينها نظاميا، مع وجاهة التوصية، لتعارضها مع الأمر الملكي السامي، الذي صدر وقتها للجهات الحكومية بالتريث في تطبيق التأمين الصحي على منسوبيها لحين الانتهاء من دراسته من مجلس الخدمات الصحية بالتنسيق مع مجلس الضمان الصحي التعاوني؛ لضمان عدم تحمل المواطن أي تكلفة مادية وحمايته والتأكيد على أن الشكل الذي سيطبق به التأمين لا بد أن يكون بهدف تجويد الخدمة الصحية المقدمة للمواطنين،

ولضمان تحقق الهدف السامي من الأمر الملكي وهو حماية المواطنين من التكلفة المادية، والارتقاء بالخدمات الصحية المقدمة لهم، فإن الرقابة السابقة على مشروع التأمين الصحي للمواطنين من قبل مجلس الشورى، هي امتثال للأمر الملكي وتحقيق لأهدافه الحريصة على المواطن وحقه المكفول نظاما، خاصة وأن الدراسة الموسعة للمشروع انتهت، وبالتالي يمكن تداولها والتوصية عليها وبها من قبل أعضاء مجلس الشورى، بعد التأكد من استيفائها وتحقيقها للرعاية الصحية "الشمولية" للمواطن من دون أي تكلفة عليه.

ذكر خبر "الوطن" الخاص بجنين التأمين الصحي الذي تم تلقيحه في أنابيب غير شفافة، أن هذا الوليد سيكون له أثر إيجابي في تقديم الخدمات الطبية لكافة المواطنين حسب "الشروط المحددة". ما هذه الشروط المحددة؟ هل المقصود بها لائحة الخدمات الصحية "الأساسية" التي سيقوم بتغطيتها هذا التأمين؟ هل هذه الشروط هي تقسيمية لفئات المجتمع والمواطنين؟ أم هل هي شروط محددة لشركات التأمين الصحي الخاصة؟ وإن كانت الأخيرة، فهل هذا يعني أن المشروع حاد عن طريقه المنشود وهو التأمين الصحي الاجتماعي وسيتم الرمي بالمواطنين لشركات التأمين الصحي الخاصة لتقدم خدمات الرعاية الصحية "الأساسية"، بدليل أن مستشار الوزارة السابق صرح بأن المشروع سيتيح للمواطن اختيار شبكة الخدمة المناسبة وزيادة التنافسية؟!

كل هذه التساؤلات لا يمكن الإجابة عنها إلا بمتابعة ورقابة سابقة لهذا المشروع، الذي له القدرة على التحليق بالخدمات الصحية لمصاف الدول المتقدمة، أو الدفع بها لقاع محيط من ديون وإفلاس مواطنين لا ذنب لهم سوى أنه تم إقصاؤهم وإقصاء منبرهم الرقابي الوحيد، مجلس الشورى، عن متابعة هذا المولود المنتظر، وسلب فرحتهم به بولادته خديجا ميتا.