"لماذا لا يكون عندنا مهرجان مثلهم فنفرح بأنفسنا كما هم يفرحون؟"

على مدى سنوات كان هذا السؤال حائرا، يردده كل من يحضر مهرجانا تراثيا خارج الحدود. لكن لم يخب أمل السائلين، إذ بدأت موجة المهرجانات خلال السنوات العشر الأخيرة تدخل مدنا كثيرة في بلادنا.

وهذا العام دخلت جدة بمهرجانها "كنا كدا" من أوسع بابين، أحدهما للتراث والتاريخ، والثاني باب الإعلام. فكشفت عن خطاب يعيد للأذهان أهمية التاريخ والتراث في ربط الشعوب بتراث بلادها. وأعادت للوجوه تعابير الفرح التي كانت غائبة فعاشته بعفوية طيلة أيام المهرجان.

داعب هذا الإغراء وجدان المواطنين من جدة وخارجها، رغم الازدحام الشديد ومحدودية البيوت والمسارات المدرجة في المهرجان. فمن يصدق؟ حتى أكثر المتفائلين ما كان يتوقع هذا العدد "مليون زائر" جاؤوا لزيارة مهرجان جدة، وقد سبقتهم مشاعرهم تلتحف بعبق هذا الإرث، فكانوا يسيحون هياما بنظراتهم في البيوت ورواشينها وزخارفها والأزقة العتيقة، ويشعرون بمتعة التعرف على مظاهر الحياة الاجتماعية بكل عاداتها وثقافتها، التي عاشها الأسلاف في جدة.

من الطبيعي أن يبرز سؤال مهم: أين كان هذا الفرح؟ ولكن من الضروري أيضا أن نتجاوز الإجابة لنسلط الضوء على سؤال مهم عبرت عنه مشاعر ووجوه الزوار: لماذا لا يستمر هذا الفرح؟ من أجل ذلك، أضم صوتي مع أصوات كثيرة طالبت بإقامة مهرجان جدة سنويا. ومن المؤمل أن يلاقي هذا الاقتراح التشجيع من إمارة منطقة مكة المكرمة والهيئة العامة للسياحة والآثار، خاصة أنه يتزامن مع الاهتمام بتحويل جدة التاريخية إلى منطقة جذب سياحي، بعد أن أثبتت فعاليات المهرجان أن جدة رغم تجربتها الأولى، فهي قادرة على تهيئة بيئة الفرح وبيئة الاستثمار الثقافي والاقتصادي، وفعلا كان لمهرجان جدة نكهة خاصة بالفرح وبالاحتفاء بالتراث والتاريخ.