يخوض واحد من أقرب أصدقائي معركته مع ظرف قاس من عناء الحياة، مسجلا تقدما من حين لآخر بإرادة تستحق التقدير والإعجاب، وفي الوقت نفسه فإنه يواجه ما ألمّ به بكامل الرضا، فإذا التقيته لن يخطر ببالك أن هذا الرجل يحمل من وجع الدنيا شيئا، فابتسامته "خِلقةٌ" في وجهه، وإقباله الصادق عليك طبيعة أصيلة وفطرية فيه، زد على هذا أنه كفاءة إدارية فريدة، والجهد الذي بذله في خدمة تخصصه، اللصيق بمعاناة فئة من الناس، يستحق أكبر احترام، فقد بدأ في إنشاء الجهة التي يشغلها من الصفر، وبالنزر اليسير من الإمكانات، الفردية في غالبها، واستطاع بعد سنوات من العمل أن يجعلها اليوم مكانا نموذجيا.
كنت لاحظت منذ فترة طويلة تراجع وزن صديقي هذا بشكل سريع، فظننت بداية الأمر أنه يتبع نظام حِمية صارم، وهو ليس بالبدين أصلا، وبدافع الصداقة القريبة سألته مرة واثنتين وأكثر، وكان يجيب بالضحك ويذهب بالحديث لجهة أخرى، حتى أخبرني مؤخراً من تلقاء نفسه بعلته، وبما عاناه لأشهر وأشهر من تفاصيلها، دون أن يعلم أو حتى يلحظ أحد. كان يتحدث عن اللوكيميا وكأنه يسرد نكتة أو قصة لا تعنيه. وبمقدار ما كانت الصدمة لأول وهلة، كانت دهشتي بقوته وإرادته وتصميمه وتجاوزه لمرضه. أخبرني كيف أنه قطع شوطا جيدا من العلاج، وأن الشفاء قريب بإذن الله، كان يؤكد بيقين واضح بأنه سينتصر. قلت له إنه سيفعل وأن إرادته وقوته هاتين مُلهمتان، وصفاتهما وصدقمها يلمسان القلب، مُلهمان بما تعنيه الكلمة.
هنالك قصة شائعة، لم أجد لها توثيقا ولا مصدرا، سوى ذكرها في مقال هنا أو هناك، دون أية إحالات. وسواءٌ أكانت حقيقية أو غير ذلك فإن معناها رائع ومعبّر. القصة من التراث الياباني وتحكي عن إمبراطور سكّ قطعة نقد معدنية واحدة خاصة به، لا يحملها سواه، وكان إذا واجهته معركة يجمع جنوده، ويقول لهم إنه سيرمي بالقطعة، فإن استقرّت على وجه الصورة فسينتصرون، وإن استقرّت على وجه الكتابة سيُهزمون. وفي كل المعارك التي خاضها كانت قطعة النقد تستقرّ على الصورة، حتى إنه لم يخسر أية حرب. حين شاخ ذلك الإمبراطور وجاءت لحظة تسليم ابنه العرش، سلمه القطعة المعدنية أيضاً، فحين رآها الابن وجد أن كلا الوجهين يحمل الصورة نفسها، وليس هنالك أية كتابة، لاحظ الرجل القوي تساؤل ابنه فقال له؛ "هذه هي الحياة، عندما تخوض معركة يكون لك خياران؛ الانتصار والخيار الثاني الانتصار أيضا. الهزيمة تتحقق إذا فكرت بها، والنصر يتحقق إذا وثقت به".