الحقيقة المؤلمة التي يجب على المجتمع السعودي اليوم مواجهتها بكل صراحه تتمثل في وجود أشخاص غارقين في التشدد لا همّ لهم إلا الحديث عن الجهاد وتكفير المسلمين، لمجرد الاختلاف والتساهل بفتاوى القتل وسفك الدماء وتوجيه تهم التخاذل والتقصير عن نصرة الإسلام للدولة وللمجتمع ولكل من حولهم.

هولاء تجدهم يقفون من كل قضية على أنها بين المسلمين والكفار أو بين السنة والشيعة فقط، وأن عدم التدخل فيها يعد من باب عدم نصرة الإسلام حتى لو كان الواقع خلاف ذلك، وهدفهم في ذلك كسب التأييد لمواقفهم وتحييد الموقف الرسمي وضمان عدم اعتراضه عليهم، والبعض منهم وصل به الأمر إلى تأكيد الشهادة وضمان الجنة لمن يتبنى وجهة نظره المتشددة التي لا ترى في الإسلام إلا القتل وقطع الروؤس وسفك الدماء باسم الجهاد في سبيل الله.

هولاء يجب أن يخصعوا لبرنامج المناصحة شأنهم في ذلك شأن الإرهابيين الذين تناصحهم وزارة الداخلية.

هذا النوع من الدعاة والوعاظ يبدؤون خطابهم بالتهييج والإثارة ونسج القصص والتعليق عليها بالشكل الذي يخدم أهدافهم ويركزون على مخاطبة العواطف وينجحون بشكل كبير في رسم صورة قاتمة في أذهان الشباب وصغار السن عن دولتهم المقصرة في نصرة المسلمين ومجتمعهم الموغل في الضلال، وأن عليهم أن ينفروا في سبيل الله، وأنهم يجب أن يجندوا أنفسهم للدفاع عن الإسلام وعن أعراض إخوانهم المسلمين وأن الفرصة مواتية للشهادة ويجب اغتنامها وعدم التفريط فيها وكأنهم يتحدثون عن معركة بدر.

وعندما يتصدى لهم العقلاء ويفندون مزاعمهم ينهالون عليهم بأقذع الأوصاف ويوجهون إليهم تهمة العمالة والنفاق والتخوين ومعاداة الإسلام ومحاربة الله ورسوله ويصل الأمر إلى التكفير وإخراج معارضيهم من الإسلام واتهامهم بالفجور والخيانة لوطنهم والتشكيك في دينهم، وتمر جميع هذه التهم دون مساءلة أو محاسبة وهو ما شجعهم على المزيد خلال السنوات الماضية ودفع معارضيهم إلى لزوم الصمت في بعض الأحيان.

المشكلة الفكرية غير المحسومة في مجتمعنا اليوم تكمن في وجود منطقة رمادية تختلط فيها الأهداف والمقاصد، ونتج عن ذلك بقاء الفكر المتشدد الذي يغذي الإرهاب والعنف يعيش بيننا لعدة سنوات محاطا بالكثير من الضبابية دون مطالبة لأنصار هذا الفكر بتوضيح مواقفهم بشكل صريح، فتجدهم يؤيدون الفكر المتشدد الذي يغذي الإرهاب والقتل نظريا ويقولون إنهم يرفضونه تطبيقا، وهذا ضرب من المستحيل، يؤيدون القتل والتفجير في سورية وفي العراق ويدعون الله أن يحفظ بلادنا من كل شر وهذا منتهى السذاجة.

عقيدة العنف والقتل لا تعترف بالحدود الجغرافية، ومن يصدر الفتوى بالجهاد في منطقة جغرافية فعليه أن يتوقع تطبيقها في مكان آخر دون الرجوع إليه لأن الفتوى لا تعترف بالحدود الجغرافية.

المبالغة في حشو عقول الشباب بأنهم وحدهم من ينصرون قضايا المسلمين وأن الجميع تخلى وتقاعس عن نصرة الإسلام ومناصرة قضايا المسلمين دون مراعاة للموقف الرسمي ودون وجود راية للجهاد وحتى دون موافقة آبائهم وأمهاتهم لا بد أن تقود إلى تفكير غير عقلاني وردة فعل غير طبيعية، وتولد إحساسا لدى الشباب بأنهم مقصرون في نصرة دينهم. هذا الإحساس سوف يساهم في تهيئة عقليات مثقلة بأزمات الصراع الديني والعقائدي والطائفي وغارقة في التفكير في فرضيات غير واقعية ورؤية غير سليمه لما يحدث أمامهم ولن يستطيعوا التعايش مع مجتمعاتهم وينتهي بهم الأمر إلى أن يكونوا جنودا في صفوف القاعدة وأتباعها، ولذلك يجب علينا الاستعداد لمواجهة موجة جديدة من التكفير والعنف لا تختلف كثيرا عما حدث بعد رجوع شبابنا من أفغانستان.