قبل أيام كنت وزوجتي على كورنيش جدة نسترجع أياما خوالي شاركنا فيها الكورنيش حلوها ومرها وكأنه أحد أفراد أسرتنا، وفي أثناء حديثنا أذهلني منظر مؤلم وعلامة استفهام كبيرة ألقت بسحابة كآبة على قلبي بقية ذلك اليوم، وذهبت بـ"أسعد الله لو يجي جدة حبيبي" بعيدا عن مكامن الطرب داخلي.
رأيت مبنى مركز جدة للعلوم والتكنولوجيا وقد تحول لأثر بعد عين، ولحطام وهدم بعد أن كان شامخا يبعث الأمل في أنه سيعود للحياة يوما ما بعد إغلاقه منذ سبع سنوات، رأيت الضربة القاضية والأخيرة لذلك الأمل الذي كنت أستجدي بقاءه داخلي كلما مررت بجوار المبنى المهجور، وكنت أحدث نفسي أنه سيعود كما كان.
في ذلك الموقع الاستراتيجي بجوار المبنى هنالك مبنيان للشقق المفروشة مُرَمَّزة بخمس نجوم، ولا غضاضة في ذلك نظرا لكون المقر يطل على أحد أجمل الواجهات البحرية في كورنيش جدة، وأي شخص ذي فكر استثماري بحت لا يراعي مصلحة كانت قد ضمرها لمدينته ولدولته سيكون خياره الأول الاستفادة من ذلك الموقع تجاريا سواء ببناء فندق أو شقق مفروشة أو مركز تجاري أو شقق سكنية أو مكاتب إدارية... الخيارات كثيرة!
مركز جدة للعلوم والتكنولوجيا كانت بداياته قوية جدا وجاء برسالته الجميلة "التعليم بالترفيه" لكنه على قوة بداياته كانت استمراريته ضعيفة وربما كان السبب أنه لم يكن يواكب العلوم بذات السرعة التي تتطور بها، لما قد يستلزمه ذلك من مصاريف، وفي عام 2007 تم إغلاقه بعد أن كنت أتوقع شيئا آخر وفقا لخبر اطلعت عليه تلك الأيام مفاده أن المركز قد أهدى موجوداته لعدد من المراكز العلمية في سبيل تطوير المركز والقفز به لمستوى المراكز العالمية مثل إبكوت سنتر (المركز العالمي المشهور في الولايات المتحدة).
لست أدري أين ذهب مشروع الإبكوت سنتر في السعودية؟ ولست أدري ما هو سبب تغير المسار وتحول مركز العلوم والتكنولوجيا من واقع جميل وأمل ثري، إلى واقع مؤلم لم يرحم حتى أطلال المركز القديمة بأن دكها دكا؟
انهيار هذا الصرح الوطني هو ندبة في الجبين يجب البحث في خفاياها وخباياها لمعالجتها إن أمكن وأيضا للنهوض بهذا التوجه العلمي في المملكة، فهذه المراكز العلمية هي مفاخر تتفاخر بها الدول والمدن، ناهيك عن دورها كدوافع للرقي بالمستوى العلمي في تلك الدول من خلال دورها كمحفزات للاستثمار في هذا الباب وكمحفزات للحواضن العلمية وبدايات البحث العلمي أيضا.
انهيار مركز جدة للعلوم والتكنلوجيا يجعلني أضع يدي على قلبي لأتابع المشروع البديل الذي سيقوم على أنقاضه، وأتمنى من الله ألا يكون فندقا أو مشروعا عقاريا يضاف لقائمة المشاريع العقارية التي امتلأت بها البلد دون فائدة حقيقية لأبنائه، فذلك سيكون بمثابة الكشف عن عورة الفكر الاستثماري في المملكة، وعن الفكر الاستثماري لكبار الشخصيات الاستثمارية فيها.
إنني أدعو الله من خالص قلبي أن يكون هدم المبنى لغرض إنشاء الإبكوت سنتر السعودي، أو لغرض إنشاء صرح علمي متخصص فيما يتعلق بالبترول والبتروكيماويات تشترك فيه مع صاحب العقار والمشروع شركات مثل أرامكو وسابك من خلال منظومة مالية تدعمها البنوك المحلية للوفاء بأدنى وأقل واجباتها في مجال خدمة المجتمع.
حتى لا أكون عاطفيا في هذه الدعوات وهذه الأمنيات، ولكي لا يتهمني صاحب المركز بحرمانه من حقه في إعادة تدوير استثماراته كما يريد، فإنني أقر له أن مراكز كهذه لا يمكن لها أن تبقى وتستمر وتعمل وحيدة بعيدة عن منظومة قانونية وهيكلية مترابطة يدعم بعضها بعضا، ومن أهم هذه العناصر ما يتعلق بالدعم الحكومي والدعم التسويقي والسياحي المرتبط بها، وأيضا إيجاد منظومة وقفية تدعم الاستثمار في هذا الباب بحيث تستمر هذه المراكز في التطور والرقي كمثيلاتها في دول العالم.
أتمنى أن أرى قضية مركز جدة للعلوم والتكنولوجيا على قائمة المواضيع المهمة التي يبحثها مجلس الشورى للنظر في كيفية دعم مثل هذه المشاريع ووضع الأنظمة التي تكفل سهولة إنشائها وتكفل لها الاستمرارية دون الوقوع في براثن الخوف من الدخل والعائد وإن كنت أرى أن مثل هذه المشاريع لو أديرت بشكل جيد فإنها ستوفر دخلها من تلقاء نفسها.
أتمنى أن يعود هذا المركز ليؤدي دوره المأمول وأن تكون هنالك مراكز أخرى مثيلة في جميع مدن المملكة بحيث تشكل نواة مزارات سياحية حقيقية في هذا الباب، وبحيث تكون مركزا لعرض إنتاج الجامعات الفكري وبراءات الاختراع السعودية والعالمية في شتى المجالات.